هذا عنوان موضوع كتبه أستاذنا الدكتور محمد بن يعقوب التركستاني في كتابه (فروق لغوية مغفول عنها)، وذكر في هذا أنه «درج بعض اللغويين قديمًا وحديثًا على تخطئة من يترك الهمز في (قرأت) ويقول: (قريت) بحجة أن الصواب هو: (قرأت) بالهمز»(1)، ثم أورد رواية أن أبا عمرو الشيباني سمع أبا زيد الأنصاري يقول: من العرب من يقول: (قريت) في معنى (قرأت)، والرواية في معظم كتب اللغة تنسب السماع لسيبويه(2). ويقول أستاذنا «والأصوب أنه يجوز ترك الهمز في (قرأت)؛ فالهمز وتركه لغتان. وقد نصّ غير واحد من اللغويين على أن من العرب من يترك الهمز في كل ما يهمز، إلا أن تكون الهمزة مبدوءًا بها»(3). وانتهى مقررًا «وعليه تقول قرأت الكتاب فهو مقروء وهو القياس. وتقول: قريت الكتاب؛ فهو مقريّ -بحذف الهمزة، تخفيفًا، وقلبها ياءً- على لغة بعض قبائل العرب القديمة»(4). وهذا سهو؛ فليس يجتمع الحذف والقلب عندهم. قال ابن جني «وقد أبدلوا الهمزة ياء لغير علة إلا طلبًا للتخفيف، وذلك قولهم في (قرأت): (قريت) وفي (بدأت): (بديت) وفي (توضأت): (توضيت)»(5). وبمثل هذا وردت قراءة قوله تعالى: «فَقَالَ: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ»، قال أبوحيان «وقرئ: أنبيهِم، بإبدال الهمزة ياء وَكَسْرِ الْهَاءِ...قَالَ ابْنُ جِنِّي: هَذَا عَلَى إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءً، عَلَى أَنَّكَ تَقُولُ: أَنْبَيْتُ، كَأَعْطَيْتُ، قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَا تَخْفِيفٌ»(6). وكان المبرد قبل قد نبه إلى خطأ ذلك، قال «وَاعْلَم أَنَّ قوما من النحويّين يرَوْنَ بدل الْهمزَة من غير علَّة جَائِزًا فيجيزون قَرَيْت واجْتَرَيْت فِي معنى قَرَأت واجترأْت، وَهَذَا القَوْل لَا وجهَ لَهُ عِنْد أَحد ممّن تصحّ مَعْرفَته، وَلَا رسم لَهُ عِنْد الْعَرَب، ويُجيز هؤلاءِ حذف الْهمزَة لغير علَّة إِلاَّ الاستثقال، وَهَذَا القَوْل فِي الْفساد كالقول الَّذِي قبله»(7). وقول أستاذنا «بحجة أن الصواب هو: (قرأت) بالهمز» متوقف فيه؛ لأن هذه ليست حجة، بل حجتهم أن الإبدال لغة لبعض العرب وليس لجمهرتهم، والمعول في الاستعمال على ما استعملته جمهرة العرب، قال الفيومي «إذَا كَانَ الْفِعْلُ الثُّلَاثِيُّ عَلَى فَعَلَ بِالْفَتْحِ مَهْمُوزَ الْآخِرِ مِثْلَ قَرَأَ وَنَشَأَ وَبَدَأَ فَعَامَّةُ الْعَرَبِ عَلَى تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ فَتَقُولُ قَرَأْتُ وَنَشَأْتُ وَبَدَأْتُ»(8). ولذا وصف ترك الهمز بالشذوذ(9)، والرداءة(10)، والضعف(11). فاللغات والقراءات غير الموافقة لجمهرة الاستعمال تحفظ ولا يقاس عليها أو تستعمل، ولذلك فما انتهى إليه من تجويزه (قريت) في (قرأت) متوقف فيه. ... ... ... (1) محمد بن يعقوب التركستاني، فروق لغوية مغفول عنها في فصحانا المعاصرة، 2: 923. (2) ينظر: الفارسي، الحجة للقراء السبعة، 2: 96. ابن جني، المحتسب، 1: 67. ابن جني، سر صناعة الإعراب، 2: 370. ابن جني، الخصائص، 3: 155. الرضي، شرح الشافية، 4: 11. ابن عقيل، شرح ابن عقيل، 4: 280. البغدادي، خزانة الأدب، 3: 18. نشوان الحميري، شمس العلوم، 4: 2437. ابن سيده، المخصص، 4: 423. (3) التركستاني، فروق لغوية، 2: 923. (4) التركستاني، فروق لغوية، 2: 924. (5) ابن جني، سر صناعة الإعراب، 2: 369. (6) أبوحيان، البحر المحيط، 1: 240. (7) المبرد، المقتضب، 1: 302. (8) الفيومي، المصباح المنير، 2: 684. (9) النهاية في غريب الحديث والأثر، 1: 421، لسان العرب، 1: 59، تاج العروس، 1: 200. (10) شرح كتاب سيبويه، 4: 280. (11) التذييل والتكميل، 1: 204، 1: 206، ارتشاف الضرب لأبي حيان، 2: 849، همع الهوامع للسيوطي، 1: 206.