الوطن حالة صعبة التعريف لأنه حالة عاطفية مرتبطة بالمواطن. البعض يرى الوطن مختزلاً في المؤسسات الحكومية فيلومه أن قصر مسؤولوها. والبعض يراه فقط قائمة بحقوق يُطالب بها. والبعض يراه حلمًا فوق أرض أخرى بعشب أكثر اخضرارًا وسماء أكثر زرقة وشمس أقل حرقة. الوطن تشوقات ذاتية وغير محايدة ومتحيزة لأحلامنا الفردية. بالنسبة لي الوطن حالة أمل. أحب «الوطن» ولأني أحبه أجد نفسي مشغولة بالبحث عن حلول لمشكلاته وليس بتسجيل قائمة جارحة بما لا يرضيني فيه. ولو قام أي منا بإعداد مثل هذه القائمة لوجدها تمتد وتطول كلما عبر الشارع أو تأمل تصرفات غيره. ومعظمنا يرى تصرفات غيره بوضوح ثم يعجز عن الاعتراف بأنه يقوم بمثلها! غالبًا مبررًا تجاوزاته من باب «الكل يسويها». ننسى الحلم في الأوضاع المجتمعية التي نعايشها ونعتادها طوال العام. ثم نكتشف مدى فداحتها بعد أن نعود من إجازات في أصقاع العالم قريبًا وبعيدًا، وندرك أنها ليست مشتركًا إنسانيًا أو حتى إقليميًا. لماذا لا يلتزم السائقون عندنا بآداب القيادة؟ حتى الذين نستقدمهم على أنهم مؤهلون ومدربون للقيام بهذه الوظيفة ويفترض أنهم يعرفون قوانين المرور العالمية يتجاهلونها بعد شهر من العمل هنا والتعايش مع ما يرونه من تجاوزات المواطن. لماذا لا نستخدم - لا نحن ولا أطفالنا- مصطلحات اللغة المتأدبة مع الغير؟ لماذا لا نعطي وزنًا لأدب احترام الآخرين في الأماكن العامة؟ فنمتنع عن مضايقة الغير ليس لأن الطريق أو المكان ليس «ملك أبيهم» بل لأنه ليس «ملك أبينا» أيضًا!! لماذا نُطالب بما نؤكد بقوة أنه «حقوقنا» ونهمّش حقوق الآخرين بما في ذلك الجيران والزملاء والجهة الموظفة والوطن؟ لماذا لا نحترم أخلاقيات الأداء الوظيفي؟ لماذا لا نبحث عن أسباب الفشل في أدائنا في تفاصيل طريقة أدائنا وليس في مسببات خارجية كالحسد والغيرة وتّرصد الغير وتحيز الرؤساء؟ لماذا لا نحافظ على البيئة ولا نحترم الحيز العام وحقوق الغير؟ كل مرة أصغي فيها لتبرم البعض مكررين الشكوى من معاناتهم في حياتهم أجد نفسي أحاول تفادي الرغبة الشديدة في هزهم لإيقاظهم من سبات التأكَّد العميق بأن السبب موجود في خارج أنفسهم! الخطأ في القوانين يمكن تصحيحه بتغييرها. الخطأ في المؤسسات يمكن إيقافه بتعديل إجراءاتها رسميًا واعتماد إجراءات غيرها. ولكن الخطأ في تصرف الأفراد لا يغيره إلا اقتناعهم بأنهم هم المسؤولون عن تصرفاتهم وتحسينا. ولو حسّن كل فرد منا تعامله مع الآخر وتصرفاته مع الممتلكات العامة، والتزامه بأخلاقيات العمل والوظيفة لتغير المجتمع إلى ذلك الوضع الفاضل الذي يعجبنا في الغير حين نراه في تصرفات أفراد المجتمعات الأخرى. ببساطة أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وصحيح أن العقوبات تردع ولكن الأنجع هو اعتناق الصحيح باقتناع ذاتي. الوطن المثالي حلم. يتحقق إذا أصبحنا مواطنين مثاليين.