لو سألني شخص ما، قبل عقدين من السنوات فقط، أي مع بداية الألفية، هل تظن أن صحف الصباح ستكون من الماضي الجميل بعد عشرين عامًا؟ لقلت لا طبعًا، ولو سألني آخر هل تعتقد أن لا أحد سيحرص على مشاهدة التلفاز بعد عشرين عامًا، لقلت له مستحيل، ولو قال لي ثالث هل تتخيل أن يكون لكل إنسان صحيفته وقناته التلفزيونية في جيبه، فهل ستصدق؟ طبعًا لا، لن أصدق، وسأرى ذلك نوعًا من الجنون والتجديف، وإذا كانت كل هذه الأشياء وأكثر حدثت خلال تلك الفترة الوجيزة، فماذا سيكون عليه العالم بعد عقدين آخرين؟ هذا على مستوى العالم الشاسع، أما على مستوى عالمنا نحن، أعني بلادنا، فنصف عقد من الزمان كافية لتحول كبير في كياننا الاجتماعي، فكثير من القضايا الاجتماعية العالقة، والتي اقتات عليها الإعلام الغربي لعقود، أصبحت من الماضي، كقيادة المرأة للسيارة، ودور السينما، وغيرها، بل أصبحت هذه المشاهد عادية وكأنما نعايشها ونتعامل معها منذ عقود، بما يكشف تحول المواطنين إلى قادرين على الانسجام فورًا مع أي تغيير، عكس مراحل الثمانينات والتسعينات، والقلق من التغيير، ومن كل ما يمكن أن يقتحم «خصوصيتنا» المزعومة، فكلنا نتذكر أزمة فتاة الباندا عام 2004 التي التقط لها مقطع تحرش في نفق النهضة، وما تلا ذلك من منع أجهزة الكاميرات، وقبلها حالات القلق الكبير من أي آلة تدخل حياتنا المغلقة، قبل أن ننفتح على العالم، أو قبل أن ينفتح العالم علينا. سيتغير العالم كثيرًا جدًا خلال العقدين القادمين، سنتغير نحن رغمًا عنا، سيشاهد أحفادنا ما لم نشاهده نحن، وسيعرفون أكثر منا، لكن الحقيقة الوحيدة التي ستبقى ما بقي الإنسان، هي المرض ثم الموت، فقد يشهد أحفادنا أمراضًا جديدة تفتك بالبشر، كما يفعل كورونا هذه الأيام، وكما فعلت أمراض أخرى، كالكوليرا والطاعون التي فتكت بأجدادنا، ومع أن العالم يتطور بتسارع، ويتقدم نحو المستقبل بثبات، إلا أنه لم يزل يفتعل الحروب، ويتنازع على الثروات الطبيعية.