في مجمع ديجون العلمي عام 1750 شارك جان جاك روسو بموضوعه في المسابقة، هل أسهمت النهضة العلمية والفنية في إفساد الأخلاق أم في إصلاحها؟، وكانت المسألة التي طرحها المجمع ذاته أثارت جدلاً كبيرًا حولها، فكتب روسو موضوع المسابقة تحت عنوان: «خطاب في العلوم والفنون»، وتميز ببلاغة واتقان وقال: «بما أن أملي لم يكن عظيمًا في نيل هذا الشرف، فإني بعدما أرسلت هذا المقال أعدت كتابته وأضفت إليه، حتى أنه أصبح بوجه ما عبارة عن كتاب آخر، ورأيت أنه من واجبي اليوم أن أعيده إلى الحالة التي كان عليها لما فاز بالجائزة. لقد ألحقت به فقط بعض الملاحظات كما تركت إضافتين يسهل تبنيهما، لعل المجمع كان سيرفضهما لو اطّلع عليهما، ولكني رأيت أن هذا التنبيه يطلبه مني الإنصاف والاحترام والامتنان». فهل هذا المظهر الخيّر انقص من فكره العميق ومكانته الأدبية؟، في تلك الأثناء، نقرأ هنا درسًا بليغًا في موضوعه والمطلوب تأمله. موقف روسو يخبرنا بأن الصورة البلاغية التي تمثل الوسائل الأدبية والفنية والنقدية هي المصدر الوحيد للمعنى وتغفل الجزء الآخر غير المشبع للنقص، والنقص هو الوجه الآخر من كل شيء ويعطي معنى لبعض ملامح المشهد الثقافي، فهل رسالة الكاتب أكبر وأعظم من التسويق والترويج، أم أن هوس الشهرة سيطر على كل المكونات الثقافية آنذاك؟. الشهرة اليوم أصبحت سمة العصر الحديث، والكل يبحث عنها بقدر ما يستحق وأكثر. ها مسألة من أهم المسائل المطروحة على أساس مستوى الإنتاج، والاستمرارية في التنظير والمضي قدمًا لإنعاش الفرص التي تهيأت لهم وتهيمن من خلالها على عقول الجماهير، كمصدر أساسي للترويج والدعاية والإشهار والإعلان بشكل يومي لقد أصبحت مجالات الشهرة معروفة وموضوعاتها تجزأت بين الجانب الديني بمهاجمة أصل من أصول الدين وإصدار فتاوى غريبة، وبين الجانب الاجتماعي بالظهور بشكل مبتذل في مواقع التواصل الاجتماعي ولفت الأنظار لمحتوى خالٍ من القيمة الفنية أو الثقافية، ومن المستحيل طبعًا أن نقدم تقريرًا كاملاً عن الكم الهائل من الناس الذي يحملون على عاتقهم صفة مميزة لأي فكر أو فكرة تشوه أو تقلب الواقع. ولكن اختصر روسو على وجه التدقيق، من مسألة فساد الأخلاق، بأن كل فنان يرغب في أن يهلل له، ويعد مديح معاصريه أثمن جزء في جائزته. فماذا عساه يفعل للفوز به لو شاء حظه النحس أن يولد بين أفراد شعب وفي عصر يعرض إنتاجات متواضعة القيمة في أحايين كثيرة، حيث أصبحت الشهرة مطلبًا للمظهر الاجتماعي ورهنًا ما يُدرج عليه من الأمور، فيقول: «لم نعد نسأل ما إذا كان الإنسان نزيهًا، بل نسأل عمّا إذا كان موهوبًا»، فتسقط أعمال رائعة من الأدب والشعر المسرحي، ويحط من مستوى نبوغه إلى مستوى عصره وسيفضل تأليف أعمال مبتذلة تجلب الإعجاب والتقدير، سرعان ما ينتهي تاريخها بعد مماته. من المحتمل أن تكون لمثل هذه التأثيرات، اختلافات ثقافية وتأثير قوى على المحتوى وأنماط التفكير والإشكاليات والفضائل، بذلك المعنى لا يمكن إصدار حكم على محاولات تعد كظاهرة جديدة في وسائل الإعلام الجماهيرية والتواصل الاجتماعي ويجب التعامل معها كونها المحور الأساسي لنشر الثقافة وترسيخ مكونات الحضارة التي تعكس بعضًا من الحقائق تتفاعل مع متطلبات المجتمع وتطلعاته وأهدافه وقيمه.