من الأمراض التي تصيب الحياة الأسرية بالنكد والاضطراب والتوتر مرض الشك، والحياة الزوجية التي تبنى على الشكوك والمشاحنات يعرضها للهدم حيث يمزق الروابط الأسرية، ويدمر العلاقات الاجتماعية، وهذا الفيروس الخطير الذي يهدد الحياة الأسرية ليس مقتصرًا على الرجال دون النساء أو النساء دون الرجال. وأمام تفاقم المشكلة وتزايدها التي أدت إلى تصدع الحياة الأسرية، وحدوث الطلاق. «الجزيرة» ناقشت القضية مع أهل الرأي والمهتمين ذوي الاختصاص؛ ليقدموا الحلول الكفيلة للحد من الأخطاء الشائنة المنكدة والمخالفة للأعراف الاجتماعية والضوابط الشرعية حتى لا تتفاقم داخل الكيانات الأسرية، وكانت الحصيلة التالية: تثقيف الأبناء يقول الدكتور خالد بن عبدالقادر الحارثي المتخصص في علم الاجتماع: الشك.. وما إدراك ما الشك؟! هذه الشرارة التي لطالما أحرقت قلوب ومزقت أواصر، وما كان أبسط إخمادها لولا التسرع وعماية الشيطان!، وخصوصًا ما يقع بين الأزواج، ولعل في التنشئة الاجتماعية ما يزيد الأمر سوءًا إِذ تؤدي بعض المفاهيم الخاطئة عن الكرامة والمروءة والرجولة إلى سرعة دمار الأسرة التي يشك أحد أفرادها بالآخر، وذلك أن الزوج بمجرد انطلاق شرارة الشك في داخله تجاه زوجته ينشغل برأي الآخرين وتقييمهم لرجولته على أساس سرعته في القضاء على زوجته أو على أقل تقدير في القضاء على عقدة الزواج بينهما بخلاف المرأة التي ترزح تحت ضغط آخر غير الطعن في أنوثتها كالطعن في رجولة الزوج وأعني محاصرتها بوصمة الطلاق والضياع والفضيحة مما يجعلها أضعف في ردّة فعلها تجاه شكّها في زوجها.. وهذا في الأغلب الأعم ونادرًا ما يتعقّل أحد الطرفين في التثبت من الأمر لإزالة الشك باليقين وبالتالي اتخاذ العلاج اللازم والصحيح لتسير الأمور في مجراها الصحيح، وإن الشك لا يتطرق فقط إلى المسائل العاطفية وخروج أحد الطرفين خارج دائرة الزواج، بل يطاول أيضًا الشك في الخُلق والمروءة ماليًا واجتماعيًا وربما عقديًا أيضًا، وفي كل الأحوال لا تأتي العجلة إلا بالندامة وقد خاب من ندم ندامة (الكُسَعِيّ)..! وينبغي أولاً إعادة النظر في حدود (الحرام) ليتسنّى للمرء القياس الصحيح فيما يواجه من أمور تقضّ مضجعه ويأتي بها الشك، فإن الحلال واسع لا حدود له والأصل في التشريع التحليل وليس التحريم، وتثقيف الأبناء قبل بلوغهم سن الرشد واجب يقع أولاً على الأسرة ليشمل الميدان التعليمي وهو البيت الثاني للأبناء ثم تقع المسؤولية على وسائل الإعلام الرسمية ويشارك فيها الوجوه الإعلامية المعروفة لنا اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي بتخفيف الضغط الهائل وتفكيك الهالة الإعلامية التي تضع الإنسان على محكّ الشرف أن هو بحث عن الحقيقة فقط قبل نفيها للشك الذي يحيق بصدره! مع أن الجميع لهم قانون أول منطلق من قوله تعالى: لَوْلَا إِذ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأنفسهم خَيْرًا وقوله تعالى يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ان جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ فالأصل إحسان الظن ثم التثبت من الأمر قبل استيقانه واستحقاقه إما للعفو أو للعقوبة وعلى شرط أن تكون على يد الشارع الحكيم لا على يد الفرد المتضرر، الذي لا يريد نتائج الشك عليه أن يحرص أشد الحرص على الابتعاد عن مواطن الشُبَه والاتهام والشك بتوفير أقصى درجات الاطمئنان للطرف الآخر وإبداء الخوف من الله عز وجل أولاً ثم احترام الطرف الآخر واحترام قوانين وأعراف المجتمع والبلد وغلق كل باب يأتي بريح الشك ولو كان مهمًّا لصاحبه فهناك أولويات لا يمكن تعويضها كخسران زوج صالح أو زوجة صالحة. تغليب الأنا ويرى الدكتور هاني بن عبدالله آل برغش المستشار التنموي أن الشك ليس بالمعنى القبيح ولكن بمعنى انعدام الثقة بين الزوجين وتغليب الأنا لكل منهما بسبب كثرة توافه الحياة الحالية ومشغلاتها وللتغلب على هذه المنغصات الخطيرة أن يبادر كلا من الطرفين إلى التغافل عن قصور الآخر والابتعاد عن الملامة والعفو مع ضرورة الاجتماع في الوجبات وتبادل الأحاديث العامة والأماني المشتركة مع ضرورة الابتعاد كليًا عن مقولة عيب أو حرام عند ملاحظة ما يشين أو ما يخالف واستبدالها بقول (لا يليق بك ولا يتماشى مع شخصيتك وليس هذا مبدأك لو تركت هذا كنت أجمل ولو فعلت هذا كنت أسعد) وهكذا من العبارات التي تحفز الإيجابية ولا تشير إلى السلبية نحن في زمن أصبح التقليد والاقتداء سائدًا فلنحفز خصوصيتنا بفعل ما يسعدنا نحن لا ما يَسْعَدُ به الآخرون. الأمن الأسري وتبدأ الروائية نهى بنت عبدالفتاح البوق حديثها بقوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أن السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا ، حال من كان ديدنه الشك في أهله، انفعال قضته الحوادث في حياته، أو شعور الدونية أمام الآخر، مقتنعًا ومقنعًا بشكه، وأول العلاج لمن ابتلي به ألا يتحدث إلا مع أهل الاختصاص النفسي، ويجتهد في علاج يديم الأمن الأسري، وأن يتبع بصيرته مستعيذًا بالله من الشيطان، ثم لا يُمنع الشريك من اتخاذ قراره، فالشك المرضي إن غزا الحياة هُزمت ولا منتصر فيها. حسن النية وتبين الأستاذة سمر بنت مهنا الصايل عضو تنفيذي مجلس شابات الأعمال بغرفة الشرقية أن الشك هو اضطراب بالشخصية، وهو نوع من اضطراب الشخصية المستنكر والغريب، ويعني تصرف الشخص بسلوك غير عادي بالنسبة للآخرين، وهي حالة سيكولوجية تتميز بوجود أفكار غير قابلة للتفسير وتسمى الهواجس، مشيرة إلى أن الشك والحب لا يجتمعان ويؤدي الشك إلى قتل المودة بين الأزواج وإلى اختناق العاطفة وتدمير الرحمة وعدم الوضوح والصراحة والابتعاد عن سوء الظن فعلى الزوجين أن يكونا واضحين وصادقين في التعامل مع بعضهما وعدم الكذب وإبعاد الشك من طريقهما حسن النية من ضرورات الحياة المشتركة بين الزوجين وحسن النية دائمًا في مشاعرهما وممارستها أسوأ شعور عندما ينمو الشك في صدر من تحب. وترى سمر الصايل أن الثقة والرحمة هما أساس الزواج وبعد الشك عنه، وأن أهم عنصر للسعادة بين الزوجين هو الرضا والثقة والشعور بالأمان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب. رواه البخاري ومسلم. العاطفة الضارة وتُعرّف التربوية نجلاء الحسين خواجي الغيرة والشك بأنهما نوع من أنواع المرض أو بأنهما رد فعل انفعاليّ سلبي، وربما ليس من المفاجئ أن يُنظر إلى الشك والغيرة على أنهما حب، بل هما عاطفة ضارة بالعلاقات؛ نظرًا لقدرتهما على إثارة المشاعر السلبية مثل: الغضب والخوف والحزن، تحدث بداية الغيرة وهي الغيرة المرضية لأسباب عديدة مختلفة ترتبط بفقدان المودة والرفض والشك وانعدام الثقة. وتقدم نجلاء خواجي وصفة لعلاج الشك والغيرة عند الرجل وعلاجهما عند المرأة، بأنه يجب التقليل من السلوكيات للقدر الذي يحقق المستوى المطلوب من العلاقة الإيجابية؛ إِذ أشارت دراسات سلوكية إلى أن سلوكيات وتكتيكات الحثّ على الغيرة تستخدم في أغلب الأحيان بين الشريكين، إِذ أشارت نتائج ونستين ووايد 2011 إلى أن الأفراد المشاركين في الدراسة يستخدمون الأساليب العاطفية في أغلب الأحيان للحث على الغيرة لدى الشريك، وقد فسر الباحثان تلك النتيجة أن الغيرة والشك تشيران إلى الالتزام العاطفي، الذي يُعدّ أكثر الوسائل فاعلية لإظهار الحب، وعلى كل الطرفين عند بداية الإحساس بالشك التوجه إلى أقرب مركز استشارات الزوجية للتخفيف والقضاء على المشكلة في مهدها وقبل أن تكبر ويصبح صعب علاجها مما يؤدي إلى التفكك الأسري.