تتفاوت أسباب نشوب الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة ولا يمكن حصرها في عناصر محدودة، بيد أن الغيرة المفرطة وعمل المرأة يتربعان على قمة هرم تلك الأسباب التي تدفع الأزواج للدخول في خضم المشاكل الزوجية، وتتحول الحياة بعدها إلى جحيم لا يطاق وكل يريد الابتعاد عن الآخر على الرغم من أن ارتباط بعضهم جاء إثر قصة حب طويلة وآخرون اتبعوا طريق العقل في اختيار شريك الحياة. بداية تقول خلود سليمان إن بحث المرأة عن تحقيق الذات وكسب المال من خلال وظيفتها، إضافة إلى عكس صورة حقيقية عن دورها للتمسك بالعمل، فيما يعتبر توسيع نطاق العلاقات الاجتماعية عاملا مؤثرا على علاقة المرأة بزوجها، خاصة إذا انفتحت في محيط علاقاتها مع الرجال من زملائها في أماكن العمل لتبدأ شرارة الخلاف بين الطرفين من هنا، وربما يصعب السيطرة عليها فيما بعد إذا لم يتفهم الرجل طبيعة عمل المرأة. وذكرت خلود أنه تدور حول عمل المرأة الكثير من المغالطات، الأمر الذي يعود بأثر سلبي على استقرار حياتها الأسرية ويسبب لها العديد من المشكلات، مضيفة أن رقعة المشكلة مرشحة للتوسع وتصل في غالبية الأحيان إلى حد الطلاق وانحلال مؤسسة الأسرة ما ينتج عنه ضياع الأولاد. وفي ذات السياق أكد أحمد عبد الله أن مشاركة المرأة في تحمل الأعباء المالية يشكل رافدا اقتصاديا قويا للأسرة، في ظل غلاء المعيشة ومتطلبات الحياة اليومية التي زادت وتطورت وبالتالي أصبح عمل المرأة مهما إلى حد كبير بجانب عمل زوجها في توفير النفقات اليومية للأسرة. وأضاف «في حال الاختلاف بين الزوجين وتزايد وتيرة الخصومات فإن عمل المرأة له آثار سلبية على الأزواج والأبناء على حد سواء، سيما إذا انتهت المشكلة بالطلاق». من جانبها، تسرد هتون الحمد قصتها والتي بدأت بالاختلاف بشأن الوظيفة وانتهت بالطلاق، قائلة «رأى طليقي أنه خارج دائرة الاهتمام، كذلك وجد أني أوكلت مهمة التربية ورعاية الأبناء للخادمة وقضاء أوقاتهم بعيداً عن الجو الأسري على حد وصفه، فطلب مني الاستقالة وخيرني بينها وبين الطلاق فاخترت الأخير لأني أعمل على بناء مستقبل مستقل في ظل القصص التي تحكي عن غدر الرجل وتنكره للعشرة». أما عبد السميع هاشم فذكر أنه بسب إهمال زوجته بحجة الوظيفة بدأت الخصومات تكثر وتتسع رقعتها، حيث قال «حاولت أن أوقف إهمال شؤون البيت والأبناء وإهمالها لي ولنفسها ولكن دون جدوى ما أصابني بالملل جراء الحياة اليومية الروتينية مع زوجة عاملة لا تهتم بنفسها في البيت بقدر ما تهتم بزينتها للخروج للعمل فكان الانفصال». ووصف مشعل الشمري الغيرة المفرطة المؤدية إلى الخصومات بأنها مثل الفيروس الذي يعمل على الانتشار في الخلايا بشكل متتابع وبانقسامات حتى تلقي بالجسد جثة هامدة لا حراك لها، مضيفا أنها دليل على الحب، غير أن الإفراط فيها يؤدي إلى الخصومات التي تؤثر على صحة العلاقة الزوجية وتسرع بإنهائها، لأن الحياة الأسرية مؤسسة يديرها الزوجان سويا ويواجهان منغصات الحياة كالجسد الواحد والغيرة شعور فطري ونسبي يختلف من شخص لآخر فهُناك من يتحكم بها ويوظفها في المكان المناسب بينما يوجد البعض ممن تغلبهم وتدفعهم للغضب وتصرفات تنتهي بعض أصابع الندم. فيما قالت جيدة أحمد أن الغيرة عندما تتجاوز حدودها الطبيعية تنعكس سلباً على الحياة الزوجية فالمرأة التي تزداد غيرتها على زوجها نتيجة حب شديد وخوف من تحول بوصلة قلبه إلى غيرها تتكوّن لديها حساسية مفرطة وتبدأ في تشديد الرقابة عليه وطرح الأسئلة الملحة لمعرفة تفاصيل كل شيء، مشيرة إلى أنه متى ما تحولت المرأة إلى رقيبة على زوجها ستتحول سلوكياته إلى الأسوأ وتكبر عنادا منه، ولن يجد هنا مفرا من تلافي مطارداتها له ولكن لا بد أن تأتي لحظة ينفجر فيها البركان الخامد وستكون النتائج مأساوية. وبيّن مصطفي عبد الرحمن أن الشك ناتج عن غيرة غير متزنة، كما أنها مفتاح لأبواب الخصومة، كما أن الكثيرين يتحاشون الاعتراف بأنهم «شكاكون» ويستعيضون عن ذلك بوصفها «غيرة» إلا أنها في واقع الأمر انعدام للثقة نشأت بسبب أدلة محسوسة أو بدوافع نفسية، مردفا «الشك خطوة أولى في الخصومة بين الأزواج وأيضا بين أفراد الأسرة الباقين فهي مؤشر خلاف ومحطة غالبا ما يفترق الكثير فيها فإن انعدمت الثقة أصبح بيت الأسرة مهيأ للسقوط في أي لحظة دون سابق إنذار»، موضحا في ذات الوقت أنه من بين الأسباب المؤدية لخلق بيئة مشحونة بالخلافات بقاء الزوج فترة طويلة خارج المنزل ما يولد الاختلاف المستمر، ونقص ثقافة الحوار بين الأزواج في كثير من الأحيان. واعتبرت مزنة العوض أن الزواج التقليدي يؤثر في العلاقة أحيانا، وبدأت في سرد قصتها الواقعية بالقول «كان زواجي تقليدا حيث تقدم شاب لخطبتي عن طريق أحد الأقارب وتمت الموافقة عليه إلا أنه مع مرور الوقت كان يؤذي مشاعري بالحديث عن علاقاته النسائية قبل الزواج ويتفاخر بها، وحين قررت مناقشته في الأمر لم يتقبل سؤالي ولم يترك للنقاش مجالاً وكادت حياتنا الزوجية أن تنتهي إلا أنه عاهدني بعد أن بقيت في منزل أسرتي 3 أشهر بعدم العودة لمثل تلك التصرفات وأصبحنا نعيش في سلام». وسارت في ذات الاتجاه عهود عبد العزيز، مطلقة وأم لطفل، قائلة «تزوجت من صديق شقيقي ولا شيء يكدر بيننا سوى العصبية والغيرة فقد كان يعلم أنني خطبت لابن خالتي في وقت سابق ولم يكتب الله بيننا بنصيب وبعد فترة وجيزة من زواجي بدأ يسألني عن أيام خطبتي لابن خالتي وما الذي حدث بيننا وهل كنت أخرج معه وحدي وأسئلة كثيرة فكنت صريحة معه إلا أنه للأسف لم يقدر صراحتي وبقي يضايقني وزادت الخصومات بيني وبينه وتوقعت أن تنتهي المشكلات بمجرد قدوم ابننا الأول إلا أن شيئا لم يتغير فاتفقنا على الانفصال». إلى ذلك، علقت الأخصائية الأسرية والاجتماعية نورة محمد على الموضوع، مؤكدة أن الشك مرض خطير ينخر فى جسد الحياة الزوجية إلى أن يدمرها ويقضي عليها ويقتل كل الروابط الجميلة والمقدسة بين الزوجين، فهو نزغ من الشيطان يجب أن نحاربه ولا نسمح له بالتسلل إلى حياتنا وتدميرها، وكذلك الحال بالنسبة للغيرة إذا تجاوزت أطر العقل. وتابعت قائلة «الحب بين الزوجين لا يعني الامتلاك والأنانية، والغيرة تكون محببة إذا كانت تقديراً للزوج أو الزوجة وتعبيراً عن حب كل منهما للآخر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة» فلا تتعدوا حدود الغيرة واطلبوا العون من الله واخلصوا النية لتعبروا بحياتكم الزوجية شاطئ الأمان ولا تسمحوا لشبح الشك بالتسلل إلى حياتكم وتدميرها».