قلت، ولمّا أزل أكرر القول:- كتابة: السرد، والشعر: موهبة، أو اقتدار، أو ادعاء عريض. والكتابة في النهاية مغامرة محفوفة بالمخاطرة؛ فالإنسان مخبوء تحت ريشة قلمه، وأسلة لسانه. والناقد جندي المشهد، يذود الأدعياء والمتطفلين عن حياضه؛ لأنه مبدع رديف، متضلع من اللغة، والفن، وسائر المعياريات: النحوية، والصرفية، والبلاغية، والعروضية: (الخليلية) و(النازكية) وسائر التحولات الشكلية، كما أنه يعرف أركان الرواية، وتحولاتها الفنية، أو هكذا يجب أن يكون. المشهد الأدبي يفيض بالأدعياء. والنقد في بعض أحواله يعيش درك المداهنة؛ يجامل، ويبرر، ويستزل الأحداث على حساب الأصالة. وماذا على البعض من النقاد لو تلطفوا، وقالوا للمبدع الموهوب:- أبدعت، وأجدت.. وقالوا لغيره:- ليس هذا العش عشك فادرج. لا نريد خيانة المشهد الأدبي، ومن حماته بالذات. طغيان السرديات لم يأتِ اعتباطاً، ولا مصادفة؛ إنه مواطأة بين أحداث تنقصهم: المواهب، والثقافات، والتجارب.. ونقاد لا يحترمون المهنة. السرديات حكاية حيوات، وأهم عنصر فيها (التجربة)، ثم (الموهبة). الإبداع السردي ليس قدرة إنشائية؛ إنه حبكة مكتملة الأركان: الشخصية، والزمنكانية، والحركة الداخلية، والأحداث المتنامية بشكل عضوي، لا يكون الرأس فيها مكان القدم. ما نقرؤه عند البعض قدرة إنشائية، تقعد بها لغة شائعة، وتراكيب ركيكة، وموضوعات مبتذلة. لا شعر، ولا سرد بدون لغة متعالية، وتركيب: سليم، جميل. هناك أعمال تستحق الاحتفاء، والقراءة.. فالمشهد لا يخلو من مبدعين، مثقفين، يفرضون أنفسهم بإبداعاتهم، ولكن الرداءة شكلت ظاهرة، تفرض المواجهة، وإن كانت كلمة الحق مؤلمة، وقد لا تترك له صديقاً. لا بد من نقد جريء جرأة المغثين لإيقاف هذا الزبد:- (فأما الزبد فيذهب جفاء..). مجرد خواطر، وتداعيات حول الانفجار السردي، أو ما سُمي ب(زمن الرواية)، وهي ظاهرة تستحق المراجعة، والمساءلة، بعيداً عن المجاملة، والمداهنة. المشهد في النهاية أمانة، ومهمة النقد الريادة، وحفظ الساقة. وهو ما لم ينهض به الكثير من النقاد.