سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حمد الرشيدي: خدمة تصوير الكتب لا تتوفر في المنطقة التي عشنا فيها و«تهافت التهافت وتهافت الفلاسفة» لم أخرج منها بنتيجة ذاكرة الكتب - بمساعدة «محمد» خلال أسبوعين نسخ «200 صفحة»
نشأ في بيت أسرة بدوية، مستواها التعليمي بسيط جدا - على حد ذكره - غير أن «رؤية» جاءت مبصرة من «كهل حكيم» شحذته السنون، ودهكته الصحاري، فلم يطق التّرقب، إلى أن يطاله العمش وداء كلالة البصر، إنما وبفكر حر عاجله فحواه ورعاه.. إذ إن والده - غفر الله له - الشاعر الشعبي المعروف في زمانه،. تولى تعليمه، وهو الذي لم يلتحق بمدرسة نظامية، إنما حُسبَ ضمن قِلّة اختلفت وائتلفت، حاملة أصالتها لوجهة عصرية، أجاد القراءة والكتابة، وكتب بخط حسن. في الوقت شاركت والدته وهي التي لم تستطع سوى رسم وتهجئة الحروف وقراءة بعض الأسماء. حينها كان «الدُولاب الخشبي» مرصوفة بين رفوفه مجموعات من الكتب، الدينية والتاريخية ودواوين الشعراء، فكان أول ما لفت نظره في مجلس والده الذي ظل يدعوه لقراءة العهد النبوي، وحفظ من هذه السيرة المطهرة ما وعاه قلبه، ثم انداح يتصعد أعراء علوه، يقرأ في سير الأنبياء، وينهل من العلوم الفكرية والأدبية. الله أنت من منازل محمدوة يا (ساحتنا ومشاهدنا الأدبية) ما تزالين تُرددين ذِكرهُ، لم تُنكرِي أثَرهُ صغيرًا، وقَدّرتِي صَوتهُ كثيرًا بعدما كبر، ولا كثير على الكثير «حمد» إذ هو في من القلائل الذين إذا نطقوا في حضورك، أو صمتوا فذلك إنما تقدير لشأنك. فأنْزَلتِه صَدْرَ منازلك، وشاع منازلك. حيثما يكون، يكون صدر مجلسك! ولا غرو، إذ تقدم لك، وقدمتي له نفائس كسائك، سنادسك، استباريقك! أوليس هو من عَرِفتهُ سَاحتنَا، صَحافتنا، شُعراؤنَا، قاصّينَا، روائيّينا، أنديتنا.. وبعد، في ظل هذا التحول الحضاري، لا أخال سوى أن «الدولاب» يوم كان يلفه صوت والده للصعود، إنما انبعث من جديد وعاد ليَتشَكّل بصورته الحديثة. وجلس متسيد صدر المنابر.. كما كنت يا حمد واقفًا بجلالك، تقف اليوم بين رموز الأنجاد.. «دولاب الخشب» مكتبة للتاريخ والسيرة ودواوين الشعر بعد الإشارة في المقدمة، قال ضيفنا الأديب والباحث «حمد حميد الرشيدي»: كنت أرى والدي - رحمه الله- وهو يتصفح أحيانا بعض تلك الكتب ويقرؤها، بل ويتمعن فيها أحيانا أخرى، خاصة كتب التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية وقصص الأنبياء. كان أحيانا يقرأ بصوت مسموع حين أكون على مقربة منه في المنزل، كي أسمعه وأستفيد مما يقرؤه! من هنا بدأت أميل للكتب، وأشعر برغبة اقتنائها وقراءتها، كنت وقتها لا أزال في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية، وانعكس اهتمام والدي على نفسي وشخصيتي، ولذلك حذوت حذوه! وكان أول ما اطلعت عليه من الكتب تلك التي خُصصت للأطفال وللناشئين «المكتبة الخضراء» الصادرة عن إحدى دور النشر في بيروت، أو تلك الكتب المهتمة ب «السير الشعبية» مثل: سيف بن ذي يزن، والزير سالم، وعنترة العبسي، وسيرة بني هلال وغيرها. «كليلة ودمنة والمعلقات وروايات محفوظ وكريستي» أما خلال مرحلة دراستي الثانوية فقد تطورت علاقتي بالكتاب أكثر من أي وقت مضى، إذ انصب اهتمامي على قراءة كتب الأدب العربي، من شعر ونثر، فقرأت «كليلة ودمنة» لابن المقفع، و»المعلقات السبع والعشر» وشروحاتها للتبريزي والمقريزي والشنقيطي وغيرهم، وبعض مؤلفات جرجي زيدان والمنفلوطي والرافعي والعقاد وطه حسين، وبعض روايات نجيب محفوظ، وأغاتا كريستي. وكانت قواميس اللغة ومعاجمها تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامي، حيث عكفت على قراءة «مختار الصحاح» للرازي، و»لسان العرب» لابن منظور، و»القاموس المحيط» للفيروز أبادي، و»المصباح المنير» للفيومي، و»تاج العروس» للزبيدي، وغيرها كثير. «الرد على المنطقيين» مُحفّز لكنه أكبر من عقلي ولكن من العجيب الغريب - وهو من طريف ما أذكره عن علاقتي بالكتب - أن هناك كتباً كانت أكبر من عقلي وسني وتفكيري، ومستواي العلمي والثقافي، مثل كتاب «تهافت الفلاسفة» للغزالي، وكتاب «تهافت التهافت» لابن رشد، وكتاب «الرد على المنطقيين» لابن تيمية. وجميع هذه الكتب لفتت نظري بعناوينها الغريبة، المثيرة لفضول معرفتي، المحفزة لذهني حول تصور ما تعنيه أو ما يقصد بها!! ولذلك حصلت على هذه الكتب من بعض المكتبات في وقتها، فقرأتها لكني للأسف لم أخرج منها بفائدة أو نتيجة، لصعوبتها بالنسبة لي، كشاب صغير تحت سن العشرين، ينقصني النضج واكتمال تصور ما تتحدث عنه مثل هذه الكتب، مما جعلني أعيد قراءتها مرة أخرى بعد سنوات طويلة، وبعد أن كبرت، لعلي استوعب مادتها بالشكل المناسب، وأدرك منها ما فاتني إدراكه في سنوات العمر الماضية. «علم العروض» خَطّته أيادينا بعد انتهاء فترة إعارته ومن طريف ما أذكره أيضا في هذا الصدد، أنه في عام 1986م تقريبا، حين كنا - أنا وأخي (محمد) الذي يصغرني بسنوات وهو مهتم بالقراءة والكتابة والكتب مثلي - ندرس في السنة ما قبل النهائية من المرحلة الثانوية فاستعرنا ذات يوم من مكتبة المدرسة التي ندرس فيها كتاباً في (علم العروض واللغة والأدب) لمؤلفين اثنين من الجنسية اللبنانية، اشتركا في تأليفه، فانتهت فترة الإعارة المقررة لنا قبل أن نكتفي من الاستزادة من هذا الكتاب، السهل المبسط الذي يشرح العروض واللغة والأدب بطريقة سلسة وميسرة، مما جعلنا نضطر أن نقوم بنسخ هذا الكتاب الذي يتجاوز عدد صفحاته ال 200 صفحة (من الغلاف إلى الغلاف) بخط أيدينا، وذلك لعدم توفر خدمة تصوير الكتب في المنطقة التي نعيش فيها في ذلك الوقت. وقد استهلك منا هذا الأمر مجهوداً كبيراً واستغرق وقتاً طويلاً استمر لأسبوعين أو أكثر لنسخ هذا الكتاب، وكنا نتناوب على نسخ صفحاته فيما بيننا، كل يومين أو ثلاثة يبدأ أحدنا من حيث انتهى الآخر، وهكذا حتى اكتمل نسخنا لهذا الكتاب كاملاً، من أول صفحة حتى آخر صفحة منه!