تقديم المترجم: نواصل نشر ترجمة لدراسة بقلم البروفيسور دانيال كريسيليس، أستاذ فخري لتاريخ الشرق الأوسط، قسم التاريخ، جامعة كاليفورنيا - لوس أنجلس (UCLA)؛ وقد حصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة برينستون العريقة بعدما كتب أطروحة نوعية عن الأزهر. ونشرت هذه الورقة التي نترجمها هنا في شتاء 1966 في فصلية الشرق الأوسط (ذا ميدل إيست جورنال). وتشكل هذه الورقة الفصل الأول من كتاب مترجم تحت النشر حاليا بعنوان «الأزهر والسياسة: 1952-2002» (672 صفحة؛ منتدى المعارف، بيروت) ويصدر - بحول الله - خلال الأسابيع القليلة القادمة: وكانت مجموعة داخل الزمرة الحاكمة تناهض الشيوخ وتريد مواصلة هذه الحملة بعنف وإلى أقصى حد، إذ يعتقد هؤلاء الضباط أن الشيوخ «لا فائدة لهم وجاهلون بدرجة لا تمكنهم من حمل شعلة الثورة الثقافية». (33) ومن الواضح أن هدف هذه المجموعة كان حل وإلغاء طبقة العلماء في المجتمع المصري. وكانت تعتقد بأنه «لا ينبغي وجود طبقة يطلق عليها علماء دين في المستقبل، بل سيكون هناك أطباء ومهندسين ومحامين يتميزون بالتدين، ويجب أن تعمل الحكومة على تدمير وإلغاء طبقة العلماء». (34) هذه النظرة المتطرفة لا يؤمن بها غالبية الضباط الأحرار الذين يدركون أهمية «العلماء» كرابط مباشر بين الحكومة والأغلبية الأمية أو شبه أمية من المصريين الذين يؤمنون بقوة بالتقاليد الإسلامية، وبين مصر والدول الإسلامية الأخرى. وتعتقد هذه المجموعة الثانية أن العلماء يجب أن يكونوا مبشرين بالاشتراكية بين الناس. إعادة تدريب الأئمة ليتمكنوا من تعليم الجماهير «الاشتراكية»! وفي نوفمبر 1962، بدأت الصحافة تدعو إلى إعادة تدريب الأئمة حتى يتمكنوا من تعليم الجماهير «الاشتراكية». (35) وعَبَّرَ حسين الشافعي عن رأي أغلبية الحكومة حول دور الشيوخ في المجتمع عندما قال لهم: أدعوكم لتحويل المساجد إلى مراكز للإشعاع. لا يكفي أن تخصص المساجد للصلاة فقط. الجماهير بدأت حملة لإعادة تنظيم صفوفها، وتعزيز قوة بلدها.. كل من يقف في وجه العدالة يسعى للقمع. كل من يقف في طريق الاكتفاء الذاتي لبلاده يهدف لنشر الفقر؛ وكل من يحاول العمل من أجل زرع الشقاق بين أفراد الشعب يفتح الطريق لعودة الأحزاب السياسية والرجعية والانتهازيين وجميعها خطرة كالكفر والنفاق والشرك. (36) ووجدت هذه الكلمات صدى في مجلة الأزهر الرسمية التي قالت: «إن مهمة الأزهر في عهده الجديد هي غرس الفكر والفهم الثوري الجديد في أذهان الناس». (37) واتضح من تصرفات الحكومة منذ إعادة تنظيم الأزهر الحاسم عام 1961 أن للعلماء وللأزهر دور محلي ودور دولي مُهمَين في الثورة المصرية. وعلى حد تعبير شيخ الأزهر وقتها حسن مأمون: «سيواصل الأزهر دوره كمنارة تشع بنور الإسلام ليصل إلى كل ركن من أركان العالم الإسلامي». (38) ويوفر الأزهر للنظام أداة دولية مهمة لتعزيز العلاقات الثقافية والسياسية والإسلامية مع الدول الناشئة حديثا في آسيا وأفريقيا. ولذلك يخوض النضال ضد الامبريالية والجهل والجمود. ويقدم الإسلام كدين الحرية والمساواة والحضارة والتقدم. وعلى الصعيد المحلي، كان على العلماء القيام بدور مهم يتمثل في نقل «الاشتراكية الإسلامية» إلى الشعب. (39) ونظراً لأن العلماء ليسوا على دراية جيدة بطريقة النظام في التفكير، فإن معظم منظري «الاشتراكية الإسلامية» كانوا من خارج الأزهر. ولكن في حين استمرت الحكومة في إعادة تدريب العلماء وتثقيفهم حول ربط برنامجها الاشتراكي بالإسلام، كان الشيوخ يستعدون لأداء دور متزايد الأهمية. ورغم كونهم يقعون تحت سيطرة الحكومة بشكل محكم وعانوا من تقلص نفوذهم بشكل خطير، إلا أن النظام وجدهم مفيدين في نقل مبادئ الثورة إلى الناس في ثوب إسلامي. ولكن كان لا بد من إعادة تدريبهم. وقال رئيس أسبق لجامعة الأزهر للمؤلف: «ببساطة، أي طالب لا يتبع إلا مسار التعليم الديني التقليدي في الأزهر لن يجد وظيفة بعد التخرج». وسيكون من الممكن بعد أربع سنوات، أن نرى إلى أين وصل مسار الإصلاح في الأزهر. ولم تعط بعض جوانب الإصلاح الاهتمام اللائق. وحصلت جوانب أخرى على اهتمام أكثر من اللازم. تأميم الأزهر ويمكن القول إن إصلاح الأزهر هو عملية إعادة تنظيم كاملة لنظامه، وقد تم صنع توازن جديد للقوى داخل النظام عبر تقليص دور شيخ الأزهر ومنح سلطة أكبر للوكالات الحكومية. وتم جلب موظفين جدد من أصحاب القدرات الأعلى لشغل مناصب مهمة في الأزهر ولضخ حيوية جديدة. ويدمج القانون الجديد النظام الديني للتعليم بالكامل مع النظام الحكومي. وباختصار، جرى «تأميم» الأزهر. وقسمت المادة 8 من القانون 103 الأزهر إلى الإدارات التالية: (40) * المجلس الأعلى للأزهر. * مجمع البحوث الإسلامية. * إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية * جامعة الأزهر. * المعاهد الأزهرية. وكُلّف المجلس الأعلى بمراقبة التوجه العام لنظام الأزهر بأكمله، بما في ذلك المسائل المالية. (المادة 10) ويتكون المجلس الأعلى من: (أ) شيخ الأزهر وله رئاسة المجلس؛ و (ب) وكيل الأزهر؛ و (ج) رئيس جامعة الأزهر؛ و (د) نواب رئيس جامعة الأزهر؛ و (ه) أقدم العمداء في كل فرع من فروع الأزهر بالمحافظات؛ و (و) الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية؛ (ز) المستشار القانوني لشيخ الأزهر؛ و (ح) وكيل الوزارة لشئون المعاهد الأزهرية؛ و (ط) الأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر؛ و (ي) أربعة أعضاء من البحوث الإسلامية يختارهم أعضاء المجمع لمدة سنتين، ويصدر بتعيينهم قرار من شيخ الأزهر؛ و (ك) أحد وكلاء الوزارة من كل من وزارة الأوقاف، والعدل، والتربية والتعليم وشئون الأزهر، والمالية، ويصدر بتعيينهم قرار من شيخ الأزهر بناء على ترشيح الوزراء الممثلة وزاراتهم في المجلس. (ل) ثلاثة أعضاء من الخبراء في التعليم الجامعي والشؤون العامة. يتبع ** ** ترجمة وتعليق/ د. حمد العيسى - الدار البيضاء