من القصص الجميلة التي حكت عنها الجدات رغم أنهن لا يعرفن مصدرها الحقيقي، هي قصة الصرصار والنملة وربما معلماتنا في الابتدائي أيضا. القصة أصلا شعرية وبسيطة للشاعر الفرنسي جان دي لافونتين (1622/1695). قصة جميلة وبسيطة. هي باختصار تحكي قصة نملة دؤوبة تعمل ليل نهار صيفا تجمع مؤونة الشتاء لتدخل بيتها الجميل، بالمقابل الصرصار الذي كان يغني طوال الصيف مسرورا، جاء الشتاء وجاع الصرصار فأتى إلى النملة يطلب طعاما. صدته النملة بقوة وقالت له: غنيت صيفا فارقص شتاء. وربما جيلي يتذكرون قصة (الأسد والفأر) في كتاب المطالعة للأسف لا أتذكر الصف الابتدائي، وهي قصة انتصار الضعيف على القوي، بالمقابل نتذكر قصة الأسد والأرنب المأخوذة من كتاب كليلة ودمنة. من (النملة والصرصار) ألفت مسرحيات للصغار وربما الكبار أيضا. لافونتين كل قصائده هي قصائد لحكمة، تصلح لكل زمان ومكان، هناك من يرجع قصائد لافونتين لتأثره بالقاص اليوناني (ايسوب) والذي عاش قبل الميلاد حوالي 600 عام. الفيلسوف والكاتب الفارسي المستعرب ابن المقفع (724-759) كتب على لسان الحيوانات (كليلة ودمنة) وهي قصص شيقة وجميلة، وقال إنه يستمدها من الفيلسوف الهندي والذي لم يوجد له مصدرا هنديا (بيدبا)، وإن كانت سهلة وبسيطة فهي تصلح للكبار والصغار، وتوجه نصائح للحكام، هناك من اعتبرها ضد الخليفة، ومن ثم تمت معاقبته عقابا شديدا. ابن المقفع كاتب كتابي الأدب الصغير والأدب الكبير والدرة اليتيمة أيضا. ما علينا، أعود لحكاية لافونتين مع (النملة والصرصار) تنتهي الحكاية التي تحث على العمل والإنتاج كي يضمن المستقبل، هي أيضا تحض على عملية التوفير للمستقبل الذي قد لا تأتي رياحه كما ينبغي. لكن للنملة أيضا وجها آخر، هذا الوجه الآخر الذي أيضا نقلته لنا الجدات عبر المثل الشعبي (نملة ريشت وطارت) لذا أطلب السماح من لافونتين في قبره كي أستمر مع النملة الحكيمة، هذه النملة عندما كسبت وكسبت فاض بيتها الجميل بالمؤن وراحت تختال على الحشرات كلها ربما عدى النحل فهي قد تجاريه في هندسة البيوت وفي حفظ الطعام لكنها حتما لا تستطيع مجاراته في صنع أقراص العسل ولا في صنع غذاء خاص لملكته. عندما جاء المطر، كان مطرا غزيرا وجميلا اعشوشبت الأراضي وأزهرت زهورا صغيرة ذات ألوان جميلة مبهجة ما بين نفل وخزامى، أزهار صغيرة ملونة، فرش الأراضي بسجاد جميل ملون خلقته يد الله، من هنا خرجت بعض النملات المغرورات بمكاسبهن. وانطلقن في كل مكان، مشين في الأرض مرحا وخيلاء، لتكمل الفرحة من جهة والتباهي من جهة أخرى، قررن أن يطرن. حاولن الطيران مرة ومرة حتى أنبت الله لهن أجنحة خفيفة لم تستطع حمل أجسادهن طويلا، لم يستطعن الارتفاع إلا قليلا فسقطن ومتن. سحبهم النمل الجاد لداخل البيوت لا ليكن غذاء لذيذا وإنما ليكن عبرة يتذكرنها دائما، فالنمل منظم لديه مقبرة أيضا داخل بيوته. وانتهت حكاية لم يحكها لافونتين. هذه الحكاية دائما تقال عندما يسقط من الرجال والنساء من تكبر وظن نفسه أنه قوي ويستطيع الطيران متكبرا على خلق الله. خاصة من سهل مصدر ثروته فيجد نفسه وقد انتفخ وتضخمت ذاته. هذا التضخم قد يجعله لا يرى موقع قدميه فتزل به لهاوية لا مستقر لها. التاريخ لديه أخبار كثيرة عمن يتجبر ويتكبر ثم يجد نفسه وقد أضاع كل شيء بما في ذلك سمعته. وللتاريخ حكايات كبيرة وكثيرة عن شخصيات كبرت وتجبرت فكان أن سقطت سقطة النمل ذا الريش. وسلامتكم والمطر قريب هذا موسمه، لننتظر رائحته وهو يغسل كل شيء لعل أولها القلوب. فقط على النملات أن ينتبهن عندما يرين لهن ريشا قد نبت.