اعتدت في الجامعة، وعلى مدى أربعة عقود، الحرص على تغيير المادة التي أقوم بتدريسها بين الحين والآخر؛ فالدوام على مادة واحدة يقلص المعلومات، ويحرم الأستاذ من متابعة المستجد، وإن كانت الإضافة قليلة عند البعض. في هذا الفصل الدراسي فضلت مادة (النقد الأدبي الحديث) وكنت من قبل أعتمد كتابي: (غنيمي هلال) و(شكري فيصل) مرجعين كافيين للطلاب ذاك يحلل، وهذا يصف ويؤرخ. في العشرين سنة الماضية جدت مذاهب، وآليات جديدة، قلبت الأوضاع رأساً على عقب، وكادت تلغي عشرات المراجع المهمة في النقد. (المنهج الألسني) استحوذ على المشهد النقدي، وهو منهج له إرهاصاته الخفية في التراث العربي لأنه يعتمد على (علم اللغة الحديث)، وباع العرب طويل في هذا المجال، وبخاصة في علم (النحو، والصرف) الذي يبحث في سلامة الصياغة والتركيب، و(علم اللغة) الذي يبحث في علم الدلالة، و(علم البلاغة) الذي يبحث في الجماليات، والمجاز، والإيجاز، والصورة، وكلها تصب في مصلحة (النص) المستهدف في النقد الحديث. (الحداثيون) يغيظهم استحضار التراث ولهذا يستبعدون ملامحه. كان النقد (سياقياً) يهتم ب (المنتج) ثم كان (نسقياً) يهتم ب (النص) من حيث: البناء، والشكل. والنص يشمل: السرد، والشعر الإبداعيين. وإشكاليته في: الأدبية، والشعرية. فمتى تتحقق تلك السمة، وما مقدار التحقق عند كل متلقي؟ لقد جاءت (نظرية التلقي) لتلغي سلطة النص، ولكنها استخدمت آلياته الألسنية، لتنشئ دلالة جديدة، قد يتسع لها النص، ثم لا تكون حاضرة المبدع. النص مكتمل الأهلية تتنامى إشكالياته بعدد المتلقين، المناهج الحديثة تمارس استدرار النص بحيث تتناسل الدلالات بشكل عشوائي مخيف للمبدع. (المتنبي) لم يستطع إقناع المتلقي بمراده، ومن ثم ولّى هارباً، يتجرع مرارات التقويل. قراءة النص من الخارج تمثله المناهج السياقية:- التاريخية، والاجتماعية، والنفسية، والأسطورية، والجمالية، والميثيودينية. وقراءة النص من الداخل تمثله المناهج النسقية:- البنيوي، الأسلوبي، السيميائي، التداولي، الظاهراتي، التفكيكي، الشعرية، الشكلانية. نظرية التلقي.. (النص) مصطلح يختلف مفهومه في كل حقل دلالي. عند الفقهاء يعني: القطعية الدلالية ومن ثم يقولون:- (لا اجتهاد مع النص) المتسرعون يؤاخدون الفقهاء، ويتهمونهم بسد باب الاجتهاد. ستظل إشكالية النص في تنامٍ مخيف. مواجهة النص تتطلب المنهج التكاملي، لأنه وحده القادر على إضاءة زوايا النص المعتمة.