قبل سنوات ليست بعيدة، كانت المرأة المحجبة حين تمشي في الأسواق تتم ملاحقتها، والتضييق عليها، بدعوى الستر، مما يخجلها ويحرجها أمام الملأ،، وكانت هذه المشاهد تؤذي الكثير من المتسوقين، ولسان حال معظمهم يردد، هي ترتدي لباسًا محتشمًا، ولم تؤذِ الذوق العام، فماذا تريد منها وأنت تلاحقها وتنهرها بعصاك كما لو كانت تقوم بجرم مشهود؟ الآن، وقد اختلفت الأوضاع تمامًا، وأصبح المشهد نقيضًا في مدننا، وأسواقنا، وبيئات عملنا، ظهرت نبرة جديدة، لا تختلف أبدًا في حدتها عن أفعال هؤلاء الذين يضيقون على النساء المحجبات سابقًا، تلك النبرة أو الموقف العلني، أو حتى الموارب أحيانًا، جاء ضد النساء المنقبات، كما في حالة مريم الحازمي التي مُنعت من التطوع في أنشطة موسم الرياض، والسبب أنها منقبة، ولا تتفق مع شروط الشركة المشغلة، وهو بالمناسبة موقف بعض الشركات المختلفة، التي تقصي المرأة المنقبة أحيانًا من فرص العمل، حتى لو كانت ذات مؤهلات علمية، وكفاءة عالية، وخبرة مناسبة. وهذا أمر غير منطقي، وغير موضوعي، لأنه نوع من الإقصاء، والموقف المسبق ضد فئة من المجتمع، فكما كنا نختلف سابقًا مع من يتحكم بأزياء الناس وملابسهم، وهي لم تعارض الذوق العام، نختلف اليوم وبشدة، مع من يمارس هذا الموقف العكسي، والمشابه، وإن اختلفت الضفة التي يقف عليها هؤلاء. أكاد أجزم أن هناك أكثر من مريم لم يصل صوتها، وفي مواقف مختلفة، مورست ضدهن ضغوط بهذا الشأن، وربما عانين من الظلم، مما يناقض الحرية الشخصية التي تكفلها الأنظمة لأي إنسان في سلوكه وملبسه، ما لم يعتدِ على حريات الآخرين. وأخيرًا، لا بد أن نفهم أيضًا أن هذا الصراع قد يجعل بعضهن يستغللن تعاطف فئة من المجتمع، وينسبن رفضهن وعدم تشغيلهن إلى أشكالهن أو أزيائهن، بينما الأسباب الحقيقة وراء رفضهن قد تتعلق بشروط العمل والكفاءة وجودة الأداء.