البترول سلعة استراتيجية حيوية في ذاتها، تحولت المملكة معها إلى مركز ثقل استراتيجي، أثر في توزيع تركيب القيم والأوزان والأدوار الاستراتيجية والسياسية للسعودية بشكل لا يمكن تجاهله. لم يعد العالم قلبًا وأطرافًا جغرافية كما كان من قبل؛ إذ نجد أن الصين انتقلت من دولة كبيرة إلى دولة عظمى، وأصبحت ثاني اقتصاد عالمي، وبدا حتى العالم الغربي يكسب ودها، وكذلك روسيا أكبر منتج للنفط خارج أوبك استطاعت إثبات حضورها الإقليمي والدولي من البوابة السورية. يتركز إنتاج النفط خارج الدول المتقدمة، لكن تمكنت الولاياتالمتحدة من إنتاج النفط الصخري، بينما أوروبا تركز على الاستثمار في الطاقة المتجددة والنظيفة؛ وهو ما يجعلها تفرض قيودًا ضريبية عالية على النفط ومنتجاته بحجة الدفاع عن المناخ، وارتفاع درجة حرارة العالم.. فما كان من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلا القيام بزيارة لموسكو في أكتوبر 2017، وهي زيارة أتت بعد زيارة ترامب للسعودية في 20 مايو 2017، ووقّعت أرامكو اتفاقيات تتعلق بالنفط والطاقة بنحو 50 مليار دولار، بجانب اتفاقيات أخرى بقيمة 200 مليار دولار لتوطين صناعات متقدمة؛ وهو ما يعني أن السعودية تتجه نحو تنويع شراكاتها الدولية لتنويع اقتصادها. وتنويع تلك الشراكات لا يعني الإضرار بالحلفاء الآخرين، والشراكة الاستراتيجية مع واشنطن لا تعني عدم إقامة شراكات أخرى مع دول مهمة بالنسبة للمملكة، كروسياوالصين وغيرهما. وزيارة بوتين إلى المملكة يُتوقّع أن يتم خلالها توقيع 30 صفقة متنوعة، تتصل بأقمار الاتصالات والتكنولوجيا النووية والصناعات العسكرية. وفي المقابل هناك قاطرة استثمارات سعودية، تتركز في شرق روسيا في صناعة الغاز المسال، وفي صناعات بتروكيماوية متقدمة. هناك مستوى جديد من الشراكة بين البلدين، والانتقال من التنسيق إلى الاستثمار لتوسيع الشراكة بين البلدين بعدما نجحت العلاقة الثنائية التي يعود لها الفضل في ضبط التقلبات الحادة في أسواق النفط العالمية، ولا تزال السوق متقلبة بسبب الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، وكذلك مع بقية العالم، ولن يتوقف التعاون بين «أوبك +»، بل ستسعى السعودية إلى إمكانية تحقيق التعاون مع منتجي النفط الصخري لحماية أسواق النفط من التذبذب والتقلبات؛ لأن النفط الصخري باقٍ في السوق؛ فبعدما كانت تكلفة إنتاج البرميل 80 دولارًا أصبحت الآن أقل من 40 دولارًا، ومن المتوقع أن تصل إلى 15 دولارًا للبرميل. وهناك 2.5 برميل فائض خارج أوبك، وإذا ما رُفعت العقوبات عن إيران وفنزويلا فإن السوق العالمي سيعاني من فائض إنتاج النفط؛ فيصبح التعاون بين جميع المنتجين أمرًا في غاية الأهمية من أجل استقرار أسواق النفط. لم تعد هناك تمحورات كما كان في زمن الحرب الباردة، بل هناك التقاء مصالح، وتنويع شراكات اقتصادية؛ فنجد المستشارة الألمانية تقود أوروبا بوضع عقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا لكنها هي نفسها اليوم فرضت على أوروبا تغيير القوانين من أجل السماح لأنبوب الغاز الروسي الذي يمرُّ تحت بحر البلطيق بأن يمد ألمانيا وأوروبا بالغاز الروسي رغم غضب أمريكي من ألمانيا التي سعت من أجل وصول الغاز الروسي إلى أوروبا. كذلك تقوم ميركل بحماية الاستثمارات الأوروبية والصينية. ستتركز أيضًا العلاقات الثنائية بين الرياض وموسكو في الأوضاع في كل من سوريا واليمن ومنطقة الخليج، وخصوصًا بعدما أكدت روسيا أن موقف السعودية مهم؛ لأن صوتها مسموع في المنطقة وخارجها؛ وبسبب ذلك لم تستجب روسيا لدعوة الحوثيين للتدخل في الأزمة اليمنية.