بعد رفض الدول المنتجة في أوبك خفض الإنتاج والتمسك بالحصص السوقية الذي قادته السعودية، وهو نهج جديد اتبعته السعودية دفاعاً عن حصص أوبك حتى لا تذهب لصالح دول منتجة من خارجها، وبعد تأثر الاقتصادات التي تعتمد على النفط كمصدر دخل رئيس خصوصاً روسيا التي انخفضت عملتها أكثر من خمسين في المائة، وبدأت الشركات النفطية تعاني من خسائر كبيرة وعدم قدرة الشركات على تسديد ديونها حيث تبلغ ديون روسيا نحو 550 مليار دولار، وانخفضت صادراتها إلى الصين بنحو 30 في المائة من 1.3 مليون برميل يومياً إلى 793 ألف برميل يومياً، ونحو 5 في المائة من حصة صادرات السعودية إلى الصين في يناير انخفضت من 996 ألفاً في ديسمبر 2015 إلى 900 ألف في يناير 2016م. وبعدما كانت السعودية تدعو الدول المنتجة من خارج أوبك إلى التعاون معها، ولكن كانت دعواتها تواجه بالرفض، لكن بعد توجه السعودية نحو التمسك بحصص الإنتاج دفاعاً عن حصص أوبك أدى إلى انهيار الأسعار بشكل دراماتيكي، في المقابل تتجه الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدةوالصين إلى تخزين كميات أكبر مستثمرة أسعار النفط الرخيص، مما زاد من أزمة الدول المنتجة للنفط، ما جعل روسيا تتجه إلى دعوة السعودية زعيمة أوبك للتعاون بعدما كانت ترفض خلال الفترة الماضية، كما أثبتت السعودية قدرة على قيادة أوبك، بعدما كان العالم يراهن على تفكك دول أوبك، بل أثبتت السعودية أن دول أوبك لا تزال قوة متماسكة بعد 55 عاماً على تأسيس المنظمة و12 عضواً يمتلكون 80 في المائة من الاحتياطي العالمي للنفط، ولن تتمكن من علاج مشكلات أسواق النفط و65 في المائة من الإنتاج خارج المنظمة. اجتماع كبار منتجي النفط في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) والدول خارجها سيجتمعون في الدوحة بغض النظر عن حضور إيران التي أبدت معارضة شديدة للانضمام إلى الاتفاقية إلى أن يصل إنتاجها إلى 4 ملايين برميل يومياً وتستعيد حصتها التي فقدتها في الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة الحظر النفطي المفروض عليها، الاجتماع سيكون برعاية سعودية روسية بعد توصل عدد من الأطراف منها روسيا والسعودية وقطر وفنزويلا إلى الاتفاق المبدئي في فبراير 2016 على تجميد إنتاج النفط عند مستويات مرتفعة قياسية لروسيا والسعودية، واشترطت الدول الأربع انضمام باقي المنتجين الكبار إليها حتى يدخل الاتفاق حيز التنفيذ. الاتفاق يحظى بدعم 15 منتجاً من الدول الأعضاء في المنظمة وخارجها يساهمون بنحو 75 في المائة من حجم إنتاج النفط العالمي، وهي اتفاقية ساهمت في وضع أرضية لأسعار النفط كآلية لتجميد مستوى الإنتاج حتى منتصف العام 2016 لتحقيق توازن في الأسعار والمخزونات، حيث وجد النفط دعماً بعد بلوغه مستوى القاع، والهدف بلوغ 50 دولاراً للبرميل، خصوصاً أن شيفرون تتوقع أن يزيد الطلب على النفط خلال عشرين عاماً بنحو 40 في المائة، فيما توقعت شركة إيني الإيطالية أن يعود سعر البرميل إلى مستويات 90 دولاراً للبرميل خلال 3 سنوات، بل إن رئيس شركة شيفرون يتوقع أن يكون مستقبل النفط في العقد المقبل زاهراً، ويرفض فكرة أن نموذج الشركات الكبرى ضمن صناعة النفط في خطر من منافسة مجموعات الزيت الصخري الأصغر حجماً، وكذلك من حملات تغير المناخ. رغم أن هبوط الأسعار جعل الكثير من الشركات تتخلى عن استثماراتها الأقل أهمية، بل تراجعت استثمارات التنقيب إلى 539 مليار دولار في 2015 بانخفاض 21 في المائة، كما أن هبوط الأسعار ألغى مشاريع نفطية ب380 مليار دولار، وقاد إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج خصوصاً في بحر الشمال قد يدفع شركات نفطية للانتقال إلى الخليج الذي سيؤدي إلى إغلاق نحو 50 حقلاً إنتاجياً في بريطانيا. الهدف من خطوة اجتماع كبار منتجي النفط في العالم توحيد صفوف منتجي النفط في أميركا الجنوبية وإقناعهم بالانضمام إلى اتفاقية التجميد من أجل التوصل إلى بيان مشترك بخصوص تثبيت الإنتاج، وهي سابقة لمنتجي النفط من خارج أوبك، ما يعني نجاح سياسة السعودية في التمسك بحصص الإنتاج رغم الآلام التي مُني بها اقتصادها، ولكنها على المدى القريب والمتوسط ستحقق نتائج. وبالفعل بدأت الدول من خارج أوبك وعلى رأسها روسيا الانضمام لدول أوبك من أجل التعاون في تحقيق توازن في سوق النفط، لأن الجميع سيكون خاسراً في ظل إستراتيجية التمسك بحصص الإنتاج التي قادتها السعودية من أجل الضغط على الدول المنتجة من خارج أوبك بعدما كانت ترفض خلال الفترة الماضية عندما كانت تقوم السعودية بدور المنتج المرجح، لكنها رفضت القيام بهذا الدور حالياً. وأعلن وزير البترول السعودي علي النعيمي أن أوبك لم تعلن الحرب على النفط الصخري، ولا تسعى السعودية إلى الاستحواذ على حصة أكبر في السوق، بل ترحب بالإمدادات الإضافية، بل هي تسعى إلى استقرار السوق على أسس تجارية، وفي هيوستن أوضح النعيمي أنه منذ انهيار الأسعار في صيف عام 2014 من أجل تقريب وجهات النظر بين كل المنتجين سواء في أوبك أو المستقلين، ما سيكون له مردود جيد على مسار أسعار النفط في الأسواق الدولية، بعد اتهامات متبادلة بين أوبك ومنتجي النفط الصخري في الولاياتالمتحدة حول المسؤولية عن انهيار الأسعار، بعدما كانوا مثلهم مثل روسيا يعتبرون أن ضرورة أوبك أن تقدم على خفض الإنتاج دعماً للأسعار، إلا أن المنظمة شددت على أن المسؤولية عن انهيار الأسعار وإحداث طفرة في المعروض هم المنتجون المستقلون والذين يمثل إنتاجهم ثلثي المعروض العالمي، فلا بد من بلورة رؤية مشتركة وتضييق حجم الخلافات وعمل جميع الأطراف بجدية معاً نحو استعادة توازن السوق والدفع في اتجاه نمو الاقتصاد العالمي، الذي سيكون له مردود إيجابي واسع على كل أطراف الصناعة. وأكد النعيمي لشركات النفط الصخري أنها أمام ثلاثة خيارات للاستمرار أو مواجهة الخروج من السوق، الخيار الأول هو أن يخفضوا نفقاتهم ليستمروا في المنافسة بالأسعار الحالية، أو أن يقترضوا المال للاستمرار في الإنتاج كخيار ثانٍ، أو أن يقوموا بتسييل أصولهم كخيار أخير، ما عدا ذلك فالواقع سيكون أكثر مرارة وعليهم أن يتقبلوا الخروج من السوق، حيث يتراوح إنتاج النفط الصخري في المتوسط بين 30 - 60 دولاراً للبرميل، لكن شركات النفط الصخري اقترضت كثيراً من أجل مواصلة الحفر لآبار جديدة لتعويض هبوط الإنتاج من الآبار المنتجة، وهذا عيب كبير في النفط الصخري ولا يتوفر مع النفط التقليدي الذي تنتجه دول أوبك، ويمكن أن يتعايش النفط الصخري مع أسعار بين 50 - 60 دولاراً للبرميل، وإشهار 9 شركات نفط أمريكية إفلاسها بسبب ديون تزيد على ملياري دولار لا يعني توقفها عن الإنتاج، رغم تخفيض الحفارات النفطية إلى أدنى مستواه منذ ديسمبر 2009 إلى 386 مقارنة ب866 حفاراً كانت قيد التشغيل قبل عام 386 حفاراً للنفط و94 حفاراً للغاز وهو أدنى مستوى منذ عام 1987 على الأقل، ومن المتوقع أن يهبط إنتاج النفط الأمريكي من 9.4 مليون برميل يومياً في 2016 وإلى 8.2 مليون برميل يومياً في 2017. تدرك السعودية خطط الغرب بالتركيز على مضاعفة نصيب الطاقة المتجددة في السوق العالمية المتنوعة للطاقة ورفعها من 18 في المائة من الاستهلاك العالمي في عام 2014 المولدة من الطاقة الشمسية الرياح إلى 36 في المائة بحلول عام 2030 يمكن أن يوفر للاقتصاد العالمي ما يصل إلى 4.2 تريليون دولار في العام لتحقيق الهدف العالمي بوضع سقف لارتفاع درجة الحرارة على مستوى العالم يقل عن درجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية والذي تم الاتفاق عليه في قمة باريس عام 2015، لكن تكلفة مضاعفة الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 ستصل إلى 290 مليار دولار في العام، ويرى الغرب التوجه نحو هذا الاتجاه سيخلق مزيداً من الوظائف وينقذ أرواح الملايين بخفض تلوث الهواء. رغم وجود الكثير من العوائق غير اللا تقنية التي تمنع انتشار الطاقات المتجددة بشكل واسع مثل كلفة الاستثمارات العالية، إلا أن 65 دولة تخطط للاستثمار في الطاقات المتجددة والدفع نحو التوجه إلى صناعة الطاقات المتجددة، لكن الاستثمارات التي تم ضخها في الطاقة المتجددة منذ عام 2007 حتى الآن 77 مليار دولار، بينما المطلوب ضخه سنوياً 290 مليار دولار وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الأزمات المالية التي تمر بها كل دول العالم، وحتى الدول المنتجة للنفط نتيجة انخفاض أسعار النفط، لذلك على المدى القريب والمتوسط لن تتمكن الدول الغربية من تحقيق هدفها في عام 2030 بسبب ضعف ضخ الاستثمارات، وسيبقى الطلب على النفط دون منافس أو دون منازع، خصوصاً أن هناك 1.3 بليون شخص على وجه الأرض بلا كهرباء. تبذل السعودية جهوداً كبيرة جداً في التركيز على الطاقة المتجددة باعتبار أنها تلعب دوراً حيوياً في المستقبل، وتعتبرها أحد مكونات المزيج العالمي للطاقة، لذلك يبقى النفط الأحفوري يحظى بأهمية كبرى لأنه يمثّل جزءاً أساسياً من مزيج الطاقة العالمي خلال العقود القادمة وسيساعد على تحقيق التنمية المستدامة التي اتفق عليها العالم في باريس، لكن لا يزال الوقود الأحفوري حتى الآن هو الأكثر فعالية وأفضلها اقتصادياً وأكثرها وفرة على وجه الأرض، وبدلاً من المطالبة بالتخلص من الوقود الأحفوري كما يطالب البعض، يمكن توجيه الاستثمارات مثل الاستثمارات الموجهة للطاقة المتجددة من أجل تقليل الانبعاثات الضارة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري. وعرض وزير البترول السعودي المهندس علي النعيمي أثناء حضوره حوار برلين حول التحول في مجال الطاقة تجربة السعودية التي تمكنت منذ ثمانينيات القرن المنصرم الاستفادة من الغاز الذي كان يحرق وتوفير 2.8 جيجا طن من غاز ثاني أكسيد الكربون يمكن العمل نفسه مع ثاني أكسيد الكربون في مستهل الألفية الثالثة من خلال التعاون، وذكر المجتمعون بأن السعودية تعكف على ابتكار هذه التقنية على مستوى عالمي من خلال البحث والتطوير وتكوين الشراكات الدولية التي تضم مبادرة تقنيات الطاقة النظيفة لفصل الكربون وتخزينه، لكن لا يزال نطاق المشاركات صغيراً نسبياً، رغم ذلك هناك مؤشرات تبشر بالخير، خصوصاً أن السعودية تدرس استخلاص الانبعاثات من المصانع والسيارات في منتجات يدخل الكربون في تركيبها مثل البوليمرات والأسمدة. بجانب أن السعودية يحدوها الأمل في إيجاد صناعة كبيرة وحيوية تعتمد على الاستثمار في الطاقة الشمسية، حيث إن السعودية حباها الله بالكوارتز، والمساحات الشاسعة، وأشعة الشمس، وهي تسعى لاستقطاب الخبرات من الدول المتقدمة في هذا المجال، وعقد شراكات مفيدة للعالم أجمع. يعقب اتفاق تجميد الإنتاج حالة نجاحه، خطوات إضافية لتصفية تخمة المعروض بالأسواق العالمية التي خفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عشر سنوات، خصوصاً أن وكالة الطاقة الدولية خفضت توقعاتها للنفط في عام 2016 بواقع 100 ألف برميل إلى 31.7 مليون برميل يومياً ويقل هذا كثيراً عن حجم إنتاج المنظمة البالغ في يناير 2016 بنحو 32.63 ما يجعل الفائض يتجه إلى المخزونات العالمية، وإذا بقي إنتاج أوبك ستزيد المخزونات بواقع مليوني برميل يومياً، والغريب أن الوكالة لم تنصح الدول المستقلة التي تنتج ثلثي الإنتاج العالمي ما يعني أن وكالة الطاقة ليست وكالة طاقة دولية محايدة، بل هي وكالة طاقة غربية مقابل أوبك. وصلت المخزونات إلى 523 مليون برميل، لكن صعود المخزونات لتصل إلى 3.4 مليون برميل كما توقعها المحللون، فإن المخزونات زادت فقط 1.5 مليون برميل على مدى أسبوع انتهى في 11 مارس 2016، واتفاق الدول المنتجة في أوبك والمستقلة قد يقلص المعروض العالمي الضاغط على السوق بنحو 1.3 مليون برميل يومياً من مليوني برميل. بعد هذه الأزمة تتجه السعودية نحو اتباع إستراتيجية جديدة في إنتاج الطاقة المتكاملة لمواجهة صعوبات السوق، خصوصاً أن مخزونات النفط مرتفعة، فيما تراجعت مخزونات البنزين بواقع 747 ألف برميل في الولاياتالمتحدة، وهبطت مخزونات المشتقات التي تشمل الديزل وزيت التدفئة بمقدار 1.1 مليون برميل. ستتجه السعودية إلى امتلاك مصافٍ في أنحاء العالم في الولاياتالمتحدةوالصين وكوريا، وتسويق منتجاتها، وتريد السعودية تحويل صادرات النفط الخام إلى منتجات مكررة بين 8 - 10 ملايين برميل يومياً مع الدخول في جميع مراحل سلسلة القيمة الهيدروكربونية لتطوير مشاريع كبيرة، وتمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتفعيل التكامل بشقيه الجغرافي والتشغيلي، خصوصاً أن إنشاء المصافي يتطلب رؤوس أموال ضخمة، من أجل الحصول على قيمة مضافة أعلى، وتسويق أيسر ومضمون، وهي إستراتيجية ضمن مرحلة التحول الاقتصادي التي فرضتها المرحلة ودور ومكانة وحجم اقتصاد السعودية.