رحم الله - أبا مشعل - كريم السجايا طيب المْعَشَر، الذي غادر الحياة الدنيا إلى دار المُقامِ دار النعيم المُقيم، - بمشيئة الله ورحمته - تاركا أثراً طيباً وذكراً حسناً، بعد حياة طويلة كريمة حافلة بالأعمال الجليلة المشرفة والإخلاص في خدمة وطنه، عقوداً متوالية إلى أن أخلد للراحة وتفرغ لأعماله الخاصة، واستقبال من يؤمه من علماء أفاضل، وأمراء كرام، بل ومن أسرته ومحبيه، وانقطاعه في عبادة مولاه، ومناجاته آناء الليل وأطراف النهار، وزيارة بيت الله الحرام على فترات متقاربة، رجاء مغفرته ومرضاته يوم لقائه، فقد لقيه بنفس مطمئنة راضية، يوم الأربعاء 20 - 12 - 1440ه آخر نصيبه من أيام عمره المقدر.. ولقد ولد وشبّ وعاش بين أحضان والديه مع إخوته وأخواته ومع لداته في أجواء مرح ومسرات، وبعد ما كبر بدأ دراسته الأولية والنظامية.. أما شهادة المرحلة الثانوية فنالها في بيروت..، ثم أُبتعث للدراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فوقع الاختيار على إحدى جامعات كاليفورنيا، وبالتحديد في مدينة (بيركلي) مدينة الكمبيوتر التي تقع على مقربة من سان فرانسيسكو لملائمة تلك الأجواء أجواء نجد ببلادنا، حيث حصل على البكالوريوس في الاقتصاد السياسي من نفس الجامعة، كما ساعده على تميزه وتفوقه حِذقه للغة الأجنبية.. التي حث عليها القائل: ويُعد «أبو مشعل» من أوائل المبتعثين وهم قلة - آنذاك -، ومما يُروى عن الملك فهد - رحمه الله - أنه إذا قدم أحد من المبتعثين الذين تسلحوا بسلاح العلوم الحديثة، فإنه يستقبلهم بكل فرح وتقدير مُهنئاً بنجاحهم، وتميزهم على أقرانهم..، وتكون لهم الأولوية في تعيينهم على الوظائف التي تتناسب مع مؤهلاتهم لتتم الفائدة وسد الحاجة حاجة الوطن لأمثالهم: وكانت تلك الأيام أيام دراسته في ربوع كاليفورنيا، وما حولها من الولايات مجالاً ليقضي فيها أوقات إجازته والإجازات الأسبوعية في هاتيك المتنزهات الجميلة الآهلة بالغابات الجميلة سامقات الأشجار، وبالجبال السمر العاليات هُناك، وما ينحدر من بعضها من شلالات المياه التي تؤنس البصر: فإنها تُسعد، وتثري الذاكرة حينما يبعد عنها متذكرا تلك المشاهد ومساقط المياه، ولقد أجاد الشاعر الكبير محمود سامي البارودي القائل بعد ما ينأى عنها في تصويره الرائع: وبعد عودته - رحمه الله- إلى أرض الوطن متأبطاً مؤهله العالي، صدر القرار بتعيينه مستشاراً اقتصادياً بوزارة البترول والثروة المعدنية عام 1380ه، ثم أمين عام مساعد بالمجلس الأعلى للتخطيط (1380 - 1384ه) بعد ذلك وكيلا لوزارة الأعلام للشؤون الإعلامية 1384- 1396ه ثم عين سفيرًا للمملكة العربية السعودية ومفوضاً فوق العادة لدى دولة الكويت 1396 - 1399ه، وبعد ذلك عين أميرًا لمنطقة نجران..، ومكث هناك سبعة عشر عاماً في تلك المنطقة الجنوبية محبوبًا لدى أهلها.. وكان له دور بارز في تحقيق الكثير من الدوائر والمصالح الحكومية..، وله مواقف طريفة مفيدة.. مع وزير الكهرباء - آنذاك - الدكتور الأديب غازي بن عبدالرحمن القصيبي - رحمهما الله - بشأن الكهرباء، وإبعاد شبح الظلام عن تلك الجهات النائية، حيث أشرف الأمير المحبوب على إيصال الخدمات إلى أنحاء المنطقة.. مدنها وأريافها..، فأيام الدكتور القصيبي - أبو سهيل - لا تفرط الذاكرة في نسيانها أبد الأزمان.. فقد زرع آلاف أعمدة الكهرباء فوق الأرض سهولها، وآكامها.. لتطوي رداء الظلام مسعدة لأبناء الوطن والمقيمين معاً. ولنا مع - أبو مشعل - ذكريات جميلة لا تنسى حيث كان يدعونا مع نخبة من الأدباء أمثال الشيخ عثمان بن ناصر الصالح، والشيخ عبدالله بن محمد بن خميس، والزميل الأديب الأستاذ عبدالله بن حمد الحقيل - رحم الله الجميع -، وعدد من الأدباء لحضور حفل جائزة والدهم الأمير الراحل خالد بن أحمد السديري السنوية التي أقيمت بمنطقة نجران عام 1412ه برعاية صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب أحمد بن عبدالعزيز الذي سعدنا بصحبته أثناء جولته التفقدية، ومعه الأمير فهد في تلك المدن والأرياف، وإنصاته لطلب المواطنين وأحتياجاتهم في تحقيق المزيد لتطوير بلدانهم وقراهم، مع المرور على بعض الأماكن الأثرية.., وكان أبو مشعل وأخوته الكرام يبالغون في إكرام الجميع، مع إهدائهم الهدايا القيمة..., وقد خصني - مشكوراً- بعدد من الكتب النفيسة، وكان - رحمه الله - على جانب كبير من التواضع والخلق الكريم، متأثراً بسيرة والده الراحل خالد الذي كان أميراً لعدد من المناطق والمواقع، وأحد أبرز قيادي الجيش في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه -: ولا يفوتني في هذا المقال إلا أن أتقدم بخالص العزاء والمواساة إلى أبناء الفقيد وبناته وحرمه، وإلى إخوته وأخواته وكافة أسرة السدارى الكرام ومحبيه، وأن يلهمهم الصبر والسلوان. ** **