حين كنت ِ تعانين المخاض في يوم كاليوم الثامن عشر من ذي الحجة، هل كنتِ تتوقعين يا نوَّارة أن تلدي خيرية هذه؟!. أن تكوني الروح فيها مذ أول زفرة لبقايا حياتها في جوفك، لتحل نسمة فضاء غير فضاء أحشائك في صدرها شهقة بتولية كنتِ قد أخرجتِها في هذا اليوم عنكِ لتتلقاها فتسري فيها حياة غير التي فيكِ؟!.. كيف كانت جديلتاك تلتفان بين يديك كلما داهمك المخاض شددت قبضتك عليهما، حتى افترشتُها سماء أمشطها شعرة شعرة، وأعبث مع ضحكاتكِ، ثم أتأمل بعد ذلك حِكمتك، وأقتفي معانيكِ؟!.. أنتِ الامتداد الزاخر، الفيض الوافر، الحياة للحياة حتى في غيابكِ، وفي اختلاف الزمن، وتوالي الوقت.. في كل يوم مثل هذا اليوم أسترجع نهايات الشهر، وأتأمل تاريخه.. ما الذي يا نوَّارة كنتِ تفكرين فيه وقد ولدتِيني بين نهاية، وبداية إن كانت الأيام في عدِّها نزولا، وصعودا، قليلة، ومزيدة، ماضية، وآتية، أو حتى باقية، أو زائلة؟!.. بين حدين؛ الامتحان لمعنى، والمحك لدلالة، والمجاز لتأويل، والاستشراف لمجهول، والطيُّ لمعلوم أنتِ في حلِّكِ، ورحيلكِ تلوِّحين بالمعنى، وما تلبثين أن تصمتي بينما أصغي لدبيب نبضكِ السرمدي.. وحدي من يحمل على السفينة ويُبحر، وحين ولوج البحر مفتوحا بلا شواطئ، مغمورا في إهاب الصمت، والصدى، واللمعة، والكمون، والرهبة، والظلام، والضوء والشفق، والوقوب، والوثوب، والخوف، والأمل، والبسمة، والدمعة فإن ذلك الحبل السري بينك وبيني يشدني لسارية السفينة، ويمدني بعلامة الفنار، ويطمئنني بنسيج حبالك المتاخمة في مظلتي، وفرشتي، ومتكأي، ومضماري، وصومعتي، ومسراي.. تعودت الحديث في رحاب فضاءاتك تلك التي أخرجتني إليها وأنتِ تتمخضين مع دموعك بهجة كانت خفية، لكنها سرعان ما غدت حضنا دافئا لاذت إليه هذه التي لفظتها للحياة، لتكوني لها الحياة حتى وأنتِ تحت الثرى، وهي لما بعد تدُب على مسرى خطاكِ.. اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، قبل الانتهاء، وعلى مشارف ابتداء.. والزمن لا يتحجر عند علاماته، ودلائله على الورق يا نوارة كما كنتِ تقولين لي.. فنامي قريرة العين نوَّارتي في مخدعك الرطب، في كنف رحمة الرب.. وصدى آخر نفس كان في صدري من أحشائك يعمّر فضاء الذي بقي من طريق إليكِ..