من صحراء عنيزة إلى الفضاء الخارجي .. قصة طموح لا يعرف المستحيل ليس من السهل أن يتحول الشغف إلى حقيقة، لكن مشاعل الشميمري جعلت من أحلامها الصغيرة مشروعًا عملاقًا غيّر مسار حياتها، وحفر اسمها في عالم الفضاء والهندسة. من شغفها بتأمل السماء الواسعة في صحراء عنيزة إلى قيادة مشاريع فضائية عالمية، أصبحت الشميمري أول مهندسة خليجية متخصصة في هندسة الصواريخ والمركبات الفضائية، لتشكل نموذجًا يحتذى به في عالم تسوده التحديات التقنية والعلمية، وتؤكد أن الطموح والمعرفة قادران على صنع المستحيل. بدأت الشميمري مسيرتها الأكاديمية بدراسة هندسة الطيران والرياضيات التطبيقية في معهد فلوريدا للتكنولوجيا، حيث تميزت بتفوقها الأكاديمي الذي أهلها للحصول على منحة من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) لدراسة الماجستير في هندسة الطيران. كانت هذه المحطة الأولى نحو دخول عالم الفضاء بشكل عملي، لتصبح أول سعودية تلتحق ب"ناسا" في سن الثانية والعشرين. خلال فترة عملها في ناسا، قامت بتحليل وتصميم محركات صاروخية نووية حرارية مخصصة لمهام استكشاف كوكب المريخ. كما ساهمت في تطوير 22 صاروخًا غير نووي، وكتبت برامج لتحليل بيانات الرياح وتطوير نماذج ملاحة جوية متقدمة، مما عزز مكانتها كواحدة من أبرز المهندسات في هذا المجال. هذا النجاح لم يكن مجرد صدفة، بل نتيجة سنوات من العمل الجاد والمثابرة على تحقيق حلمها رغم العقبات. إنشاء شركة فضائية لم تكتفِ الشميمري بتحقيق النجاح الأكاديمي فحسب، بل مضت في تأسيس شركتها الخاصة "مشاعل أيروسبيس" في فلوريدا وهي في سن 26 عامًا، بهدف تصميم وتصنيع صواريخ قادرة على إطلاق أقمار صناعية صغيرة (500 كغ أو أقل) إلى المدار الأرضي المنخفض. كانت هذه الخطوة انعكاسًا لرؤيتها الطموحة في ريادة أعمال الفضاء، في وقت كان القطاع فيه محصورًا على الحكومات والشركات العملاقة. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها، تمكنت من تحويل فكرتها إلى مشروع رائد في قطاع صناعة الصواريخ الفضائية. واجهت مشاعل عقبات تتعلق بتأمين التمويل اللازم لمشاريعها البحثية، إضافة إلى كسر الصورة النمطية في مجتمع يسيطر عليه الرجال. لكنها لم تتراجع، بل أظهرت أن الشغف والالتزام يمكن أن يتغلبا على كل العوائق. لقد أرادت إثبات أن المرأة العربية قادرة على القيادة في أعقد المجالات التقنية، وأثبتت نجاحها من خلال إطلاق مشاريع رائدة أصبحت حديث المجتمع العلمي العالمي. إنجازات علمية وتكريمات دولية نالت الشميمري العديد من الجوائز والتكريمات، أبرزها جائزة الإنجاز العلمي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. كما تم اختيارها ضمن قائمة أكثر 10 سيدات عربيات تأثيرًا في العالم، وصنفتها مجلة "Business.com" ضمن أكثر 100 امرأة عربية تأثيرًا، مما يعكس تأثيرها العالمي في مجالات العلوم والهندسة. وفي عام 2023، انتُخبت لمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية (IAF)، بعد منافسة قوية مع 14 مرشحًا عالميًا، لتصبح أول سعودية وعربية تتقلد هذا المنصب القيادي في أكبر منظمة فضائية عالمية. إلى جانب تكريمها الرسمي، تحظى الشميمري بتقدير عالمي من قبل كبار المؤسسات العلمية والبحثية، حيث ألقى نجاحها الضوء على دور المرأة العربية في مجال الفضاء الذي كان لفترة طويلة حكرًا على الدول الغربية. قيادة رؤية الفضاء عادت الشميمري إلى المملكة لتقود الجهود الوطنية في تطوير قطاع الفضاء. عُينت مستشارة للرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء السعودية، وأسهمت في صياغة الاستراتيجية الوطنية للفضاء، إضافة إلى إنشاء برامج فضائية طموحة مثل برنامج الرحلات الفضائية المأهولة. وفي إنجاز جديد، أعلنت وكالة الفضاء السعودية عن تعيينها مديرًا عامًا لمركز "مستقبل الفضاء"، الذي تأسس بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي لدعم الابتكار والبحث العلمي في قطاع الفضاء. يهدف المركز إلى تعزيز اقتصاد الفضاء العالمي، وتطوير السياسات التقنية، وتكريس الأبحاث المتعلقة بتكنولوجيا الفضاء الحديثة. من خلال هذا الدور، تعمل مشاعل على تمكين الكفاءات الوطنية الشابة، وتوفير فرص تعليمية وتدريبية متقدمة في علوم الفضاء والهندسة. كما تعمل على بناء علاقات استراتيجية مع مؤسسات الفضاء العالمية لتطوير مشاريع فضائية كبرى تضع المملكة في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال. مصدر إلهام للأجيال القادمة إلى جانب مسيرتها المهنية، تولي الشميمري اهتمامًا كبيرًا بتوعية الأجيال الصاعدة حول أهمية العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، خاصة في مجال الفضاء. استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لنشر المعرفة وتشجيع الشباب، لا سيما الفتيات، على السعي وراء أحلامهم. وتؤمن بأن الشغف وحده لا يكفي لتحقيق النجاح، بل يتطلب العمل المستمر والإصرار لتخطي العقبات، مؤكدة أن الفشل هو خطوة ضرورية على طريق النجاح. وتقول دائمًا: "الفشل هو بداية النجاح. الطريق لن يكون سهلًا، لكن المثابرة والعمل الجاد يضمنان الوصول إلى الهدف". التحديات باب مفتوح للابتكار لم تكن طريق الشميمري خالية من التحديات، فقد واجهت صعوبات عديدة في قطاع يسيطر عليه الرجال، لكنها رأت في تلك الصعوبات فرصًا للنمو. تقول: "لم يكن كوني امرأة أو سعودية عائقًا، بل دافعًا إضافيًا لإثبات قدرتي على تحقيق ما أؤمن به". وأشارت إلى أن تأسيس شركتها الخاصة كان مغامرة كبيرة، حيث واجهت تحديات تتعلق بإقناع المستثمرين في مجال مكلف ومعقد تقنيًا. ورغم الصعوبات المالية والفنية التي واجهتها، لم تتراجع، بل استمرت في العمل لتؤكد أن الإصرار هو مفتاح النجاح. رؤية مستقبلية تعمل الهيئة السعودية للفضاء على تعزيز دور المرأة في قطاع الفضاء، وتطوير كفاءات وطنية قادرة على قيادة المشاريع الفضائية المستقبلية. ويسهم مركز "مستقبل الفضاء" الذي تديره الشميمري في دعم مشاريع الابتكار وتطوير السياسات التنظيمية والاقتصادية في القطاع، بما يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030.