إيه يا أنتِ.. يا نوَّارة..، وحين تكون إليك الشجونُ، تتصاعد تلك الأوراق المحبَّرة من ديوان الأيامِ نحو فضاءات الفكر..، والوجدان..، والبصر...! تعلو.. ترفرف.. بأجنحتها.. توقظ كلَّ صفحةٍ..، وسطرٍ..، وحرف..، بل نقطةٍ..، وعلامة... غاباتُ الأيام يا نوَّارة موغلةٌ في أدغالها...، كثَّةٌ.. كثيفةٌ.. مكتظَّة بكِ..! وحدي أتملَّى سطورَها.. وحدي أتأمل حروفَها.. وحدي أثمِّنها..، أعي مواثيقها..، أعرفُ زنةَ حجمِها.. ومثقال ميزانها... في الزمن الباهتِ الذي أعيشه الآن.. فقد كان بكِ الزمن مورقاً... يانعاً.. مثمراً..! في مثل هذا اليوم كنتِ توشكينِ على الرحيل.. وأنا لا أعلم.. بجواركِ أتابعُ صمتكِ المطبق... بينما صوتُكِ المطلق كان يجلجل في جوانحي.. كان ربُّك وربي أقرب إليكِ مني..، كنتِ دون أن أدري تودعين..، في مثل هذا اليوم يا نوَّارة..، كنتُ أقرأ لكِ سطوراً من ديوان أيامكِ.. كيف الشموخ على الألم..؟ ومتى الصبر على الظُّلَم..؟ حين كان لك تفسيرٌ آخرَ للألم.. وأوجاعه..، وتأويل آخر للظلمةِ وعتماتِها.. كلُّ ألمٍ تذروه ريحُ الهمة عندكِ.، .. وكلُّ عَتمة تطمسُها جذوةُ السعي لديكِ..!! ما كان في قاموسكِ اليومي إلا أمران، أحدهما لآخرتكِ حيث البقاء الأبدي..، والآخر لدنياكِ غير السرمدية لتكوني فيها عصا على العتمة، وشمعداناً للطريق..! لم تكُوني تُحيدين عن جادة توصلكِ لغايتكِ..، حين لم تكن هذه الغاية إلا مسؤوليةً تقفين بها أمامَ ربّكِ.. هاجسكِ الدومي.. كيف كتبتِ هذا الديوان يا نوَّارة.. كيف..؟! كيف مكَّنتِه فلم تُمحَ حتى الآن نقطةٌ فيه..، ولا لمحةُ نقطةٍ فارةٍ من سيل بحركِ..؟ عصيةٌ على النسيان أمٌّ هي أنتِ..لا تُشيخكِ الأيامُ..، ولا تنسيكِ مداولاتُ دواليبها..! اليوم يا نوَّارة تتنافس الأمهاتُ.. وليتكِ ترينهن..، يتراكضن وليتكِ قبسهن..، يلهثن وليتكِ بوصلتهن.. كلُّ شيء بعدكِ بهت..، كلُّ فرح بعدكِ مُسِخَ..، كلُّ فَقدٍ بعدكِ تساوى.. حتى الحزن يا نوَّارة مَحلَ طعمُه..، والدموع تبخرت..، والمحبرةُ بكِ نفقتْ.. وأنا لا أزال قابعةً في صومعة أمومتكِ أتهجَّى..، وألثغُ.. يا نوَّارة ..، كوني في جنات اللهِ برحمةٍ تشملكِ.. ورضوان يلمُّكِ.. يحنو عليكِ العفوُّ.. ويُرضيكِ الكريمُ.. وينعِّمكِ المجيبُ...