في كل مرَّة دخلتُ فيها مكةالمكرمة -خلال الأيام الماضية- قادماً من جدة أو من الطائف بسبب ظروف التغطيات الإعلامية المُتلاحقة للمناسبات هنا وهناك، كنتُ أشعر بالفخر والاعتزاز من انسياب الحركة المرورية على منافذ المشاعر المقدسة لحجاج بيت الله الحرام، لقد كنتُ مراقباً جيداً للهمَّة العالية لرجال الأمن البواسل، الذين يعملون على مدار الساعة بوتيرة واحدة دون كلل أو مَّلل للتأكد من هوية العابرين، لم أشعر للحظة واحدة أنَّ حركة المرور تعرقلت أو أنَّ أحد المسارات توقف أكثر ممَّا يجب، وكلما تذكرتُ أنَّ الحجاج والعاملين لخدمتهم والعابرين من المواطنين والمقيمين في مكة يمرُّون مع ذات المنافذ عرفتُ أنَّ مستوى الاحترافية الذي بلغه رجال الأمن في التفاني والتعامل مع الموقف يستحق الإشادة -دون مجاملة- فهذه شهادة حق لا يجوز كتمانها، جدية وانضباطية مُتناهية يُرافقها ابتسامة ورفق ولين في التعامل، الكل يبذل ويقدم أقصى ما يستطيع فعله ليس من منطلق المهمة والمُتطلبات الوظيفية وحدها، بل استشعار بعظم المسؤولية والأمانة المُلقاة على عواتقهم في حفظ الأمن وسلامة الجميع، حتى يؤدي الحجاج مناسكهم بكل يسر وسهولة. هيبة رجال الأمن في المنافذ زينتها إنسانيتهم داخل المشاعر المقدسة من خلال حُسن تعاملهم الراقي والإنساني الذي يبعث الأمل والتفاؤل في نفوس ضيوف الرحمن، خدمة لهم وسهراً على أمنهم وسلامتهم، بضرب أروع الأمثلة بالتعامل الإيجابي رحمة للصغير، وتوقيراً للكبير، ودعماً للمُحتاج بتقديم المساعدة والنجدة. المُبادرات التي يطلقها رجال الأمن في كل عام والتي بدأت مبكراً هذا الموسم تعكس «علاقة خاصة» تنشأ سنوياً بين رجال الأمن السعوديين والحجيج، لتترك أثراً طيباً في نفوس كل من تعامل معهم، تؤكده ابتسامات الرضا والإعجاب الفطرية التي ترتسم على مُحيَّا الحجيج، وهم ينظرون للجندي ورجل الأمن السعودي وهو يقوم بمهام وأدوار -غير عسكرية- لم يتعودوا على رؤيتها من أصحاب البدل العسكرية في أي مكان آخر في العالم، تلك ميزة خصَّ الله بها قادة هذه البلاد الطاهرة وأهلها الطيبين بعلو الهِمَّة وشرف المَهمَة، لقد كتبتُ في الأعوام الماضية وأعيد التأكيد بأنَّ الجندي السعودي يقوم بأشرف «مهمة عسكرية» خاصة عرفها التاريخ، تجاوزت الأعراف والتقاليد العسكرية خدمة لقاصدي بيت الله الحرام بالسهر على أمنهم وسلامتهم بكل إنسانية ورحمة وتفاني وترحاب، لينعم ضيوف الرحمن بدفء المشاعر والطمأنينة والسكينة في أقدس بقاع الأرض، طلباً لرضاء الله أولاً، ثم امتثالاً لتوجيهات قادة هذه البلاد المُباركة والطاهر الذين سخروا الغالي والنفيس من أجل الحاج، وبعد ذلك حُباً لتلك «الأفئدة الصادقة» التي تحمل أكثر من 150 جنسية قدمت للسعودية بهوية واحدة، وهدف واحد، ليجتمعوا على صعيد واحد بلسان ولباس واحد، شكراً لرجال الأمن الذين رفعوا رؤوسنا عالياً، فما أشرفه من واجب، وما أكرمهم من عاملين. وعلى دروب الخير نلتقي