الشيء الذي يكاد يتفق عليه الجميع هو أن وجود رؤية موحَّدة وواضحة للجميع أمر صحي ومطلب وطني.. ومن المسلَّمات الإدارية والاقتصادية أن الجهاز الحكومي (خاصة في الدول النامية) هو العمود الفقري والماكينة الإدارية الرئيسة لقيادة برامج التنمية الوطنية.. ومن ثم يبقى السؤال عن قدرة هذا الجهاز على تحمل تنفيذ برامج التنمية وتحقيق طموحات القادة. وللتذكير فإن قدرة أي جهاز إداري تعتمد بعد الله على ثلاثة محاور: 1- الإنسان و2- الممكنات (بما فيها التقنية) و3- النظم (نماذج العمل Business model وغيرها). ومن خلال نظرة سريعة على مكونات الجهاز الحكومي في المملكة في ضوء هذه الأبعاد الثلاثة يلاحظ أنه بالنسبة للممكنات فقد تم الاستعانة وبشكل جيد بالوسائل التقنية الحديثة والدعم المادي المناسب. وفي البعد الآخر (النظم والتنظيم) يلاحظ أيضاً أن الجهاز حظي بمشاريع كبيرة لإعادة الهيكلة وإعادة هندسة نظم العمل. يبقى الجانب الأهم في العملية الإدارية وهو الإنسان العامل، حيث يلاحظ أنه على الرغم من التوسع في برامج التعليم إلا أن تهيئة أولئك العاملين في القطاع العام (مهنياً) لتنفيذ برامج إعادة الهيكلة وإعادة هندسة نظم العمل والإستراتيجيات الجديدة يبقى مطلباً ملحاً وضرورة لا خيار. ويبقى السؤال المهم هو: ما هي برامج التهيئة المهنية التي يتطلبها العاملون في القطاع الحكومي؟ واستناداً إلى التجارب العملية في مشاريع إعادة الهيكلة وإعادة هندسة نظم العمل وبناءً على أدبيات علم الإدارة التطبيقي فإن تهيئة العاملين لتنفيذ البرامج التنموية المنوطة بالجهاز وتطبيق مشاريع إعادة الهيكلة بمهنية عالية تتطلب توعيتهم على الأقل بالمهارات الرئيسة الثلاث التالية: إعادة هندسة نظم العمل (BPR ) وإعادة الهيكلة (Organizational Restructuring) وبناء الإستراتيجيات ومؤشرات الأداء الرئيسة (KPIs ). رفع وعي العاملين بهذه الآليات الثلاث من شأنه أن يساعدهم على فهم واستيعاب برامج التطوير الإداري بشكل جيد وعلى تبني هذه المشاريع وحبها وعلى القدرة على تحقيق أهداف التنظيم الرئيسة: جودة المخرجات وسرعة الأداء وكفاءة التشغيل. ومن باب الإنصاف فإن هناك عدداً من الأجهزة الحكومية والخاصة قد استثمرت بالفعل في العاملين لديها وتوعيتهم في هذه المجالات الإدارية المهمة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر هيئة مدن ورئاسة أمن الدولة والبريد السعودي.. فهي تمثِّل أمثلة حيَّة على تهيئة الجانب البشري لبرامج التطوير الإداري حتى يتمكّن من قيادة التغيير والتطوير وتحقيق أهداف برامج التنمية الوطنية. ولا شك أن هناك أجهزة أخرى عملت على تهيئة منسوبيها لم يتم ذكرها لقصور في معلومات الكاتب لا لتقصير منها. الذي أردت أن أصل إليه هو أن رفع مستوى الوعي لدى العاملين في القطاع الحكومي في فهم مضامين إعادة الهيكلة في الجهاز الحكومي وتهيئتهم مهنياً لتنفيذ وتطبيق إستراتيجية ونموذج العمل الجديد مطلب وضرورة ملحة. والله ولي التوفيق،،،،،