كثيرًا ما تخطئ بعض الجهات أو الدول في تقدير عواقب قراراتها أو إجراءاتها إذا نجحت في مراحل سابقة بالاستفادة من أحداث أو قرارات مشابهة فتصاب بالغرور مما يوقعها في أخطاء فادحة يكون ثمن فاتورتها ليس بالقليل، فهذا ما حدث كردة فعل من الأسواق المالية العالمية والأمريكية على وجه التحديد وكذلك أسواق السلع والنفط تحديدًا الذي فقد أكثر من 5 في المائة في نهاية الأسبوع الماضي عندما عبر المتعاملون على استيائهم ومخاوفهم في وقت واحد من تهديد الرئيس الأمريكي بفرض رسوم إضافية بواقع 10 في المائة على واردات صينية يقدر حجمها بنحو 300 مليار دولار أمريكي، وذلك بسبب عدم إحراز تقدم بالمفاوضات الجارية حاليًا بين الدولتين لإبرام اتفاق تجاري جديد بينهما. ففي قمة العشرين الأخيرة في اليابان استبشرت الأسواق بالهدنة التي أعلنت بين الدولتين وإطلاق جولة مباحثات تهدف إلى الوصول لحل مرضٍ للطرفين لكن القرار المفاجئ للرئيس ترمب بأنه سيفرض رسومًا جديدة مع بداية سبتمبر المقبل كان له رد فعل سلبي وكأن المستثمرين يعاقبون الإدارة الأمريكية على تسرعها بالإعلان عن التوجه لفرض رسوم جديدة، فهم متخوفون من دخول الاقتصاد العالمي عمومًا والأمريكي والصيني تحديدًا بمرحلة ركود بسبب الحرب التجارية، فهما أكبر اقتصادين في العالم ويحركان الطلب العالمي على السلع والخدمات وحجم تجارتهما الدولية تفوق 25 في المائة من حجم التجارة عالميًا، فنتائج كثير من الشركات التي تنتج منتجات وسيطة أو أولية جاءت متراجعة وجيرت السبب لضعف نمو الاقتصاد العالمي الذي وقع بسبب الحرب التجارية بين أمريكاوالصين. وبالنظر لبداية حرب الرسوم بين الدولتين التي بدأتها أمريكا فإن تأثيرها دفع الصين مباشرة للتفاوض لكن استخدام هذه الورقة أكثر من مرة واعتبارها سلاحًا فعالاً بهدف رفع حرارة طاولة المفاوضات وتحقيق أفضل مكاسب للطرف الأمريكي بدأ يفقد هذه الورقة تأثيرها لتنقلب الطاولة على أمريكا نفسها، مما يعني أنك لا تستطيع استخدام نفس الأدوات بكل وقت وهو بالفعل ما جعل الرئيس ترمب يدلي بتصريح بعد أن شاهد النزول الحاد في الأسواق الأمريكية بنسب فاقت 2 في المائة قال فيه «إنه في حال قدمت الصين إجراءات إيجابية قد أؤجل أو الغي الرسوم العقابية»، مما خفف من حدة الهبوط بالأسواق في يوم الجمعة الماضي وهو ما يدل على أن الإدارة الأمريكية تسرعت وارتكبت خطأ كبيرًا بنيتها فرض رسوم إضافية ولم تراع أن النمو الاقتصادي العالمي يعاني ضغوطًا كبيرة وأن لهذه الرسوم دورًا بذلك، إضافة إلى قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة الذي أعطى دلالات سلبية على مستقبل نمو الاقتصاد الأمريكي فهل كانت الإدارة الأمريكية منفصلة عن الواقع عندما أعلنت نيتها فرض الرسوم؟ استخدام ذات الأدوات التي نجحت في الاستفادة منها بمراحل أو ملفات سابقة لا يعني أنها تصلح لكل زمان ومكان وهذا ما حدث مع الإدارة الأمريكية في آخر يومين من الأسبوع الماضي ولذلك حاولت أن تتدارك الخطأ لكن الأسواق لا تسامح ولا تجامل فرأس المال جبان، ولذلك لا بد من مراعاة حساسية الأسواق المالية عند كل قرار ذي تأثير جوهري على الاقتصاد، هذا ما أوصلته الأسواق الأمريكية كرسالة لإدارة الرئيس ترمب وأنه ليست كل الأوقات مناسبة لذات الأدوات أو الأسلحة التي تمتلكها لأن المتعاملين بالسوق يحركهم الخوف والطمع وهي صفات مشتركة بين البشر، ولذلك كانت ردة الفعل عنيفة والخسائر بمئات المليارات من حجم القيمة السوقية لمكونات الأسواق الأمريكية والعالمية.