في الوقت الذي كان العالم ينتظر أخبارًا إيجابية عن المفاوضات الصينيةالأمريكية لتسوية الخلاف التجاري بينهما فاجأ الرئيس الأمريكي الجميع وقال إنهم سيرفعون الرسوم من 10 % إلى 25 % على سلع صينية حجمها 200 مليار دولار، كان لهذا التصريح وقع سلبي على الأسواق المالية العالمية حيث هبطت معظمها مما طرح تساؤلاً حول حقيقة تقدم المفاوضات بين الطرفين الذي كان هو الطابع السائد إلى ما قبل تصريح الرئيس ترمب. فمن المعروف أن الخلاف بين الدولتين عميق ومعقد فحجم التبادل التجاري بينهما بلغ 665 مليار دولار إذ تصدر الصين لأمريكا منها 505 مليارات دولار بينما تستورد الصين من أميركا بحوالي 150 مليار دولار وحجم العجز الأمريكي مع الصين يتحطى 350 مليار دولار وتعد التجارة بينهما من الأسرع نمواً بالعالم فلم تكن تتخطى أربعة مليارات قبل أربعين عاماً 1979م وتمثل الدولتان أول وثاني أكبر اقتصاديات العالم مما يعني أن الحرب التجارية بينهما لها تأثير واسع على الاقتصاد العالمي وتصنف من أكبر المخاطر التي تواجه نموه. لكن كيف يمكن تفسير تصريحات ترمب بعد الغزل الذي ساد المعلومات الصادرة من الطرفين عن الأجواء الإيجابية لمفاوضاتهما، فعلياً لا يمكن للطرفين إلا أن يتفقا على تسوية هذا الخلاف الكبير والتوصل لحل يرضيهما فالمصلحة تقتضي ذلك والهدف من كل هذه الحرب هو الوصول لتسوية مناسبة ولذلك فإن التفسير الأقرب لخطوة رفع الرسوم التي توعد بها الرئيس الأمريكي هو «تسخين» طاولة المفاوضات وبث الحرارة العالية فيها مما يعني أنهم فعلا قريبين من إيجاد حل ولذلك يزيد ترمب الضغط حالياً لكي يحقق مكاسب أكبر ويسرع بإنجاز الاتفاق مما سيرفع من شعبيته على نطاق كبير لدعم ملف تجديد ترشحه لولاية ثانية بعد أقل من عامين فهو يريد أن يحقق كل وعوده الانتخابية عندما كان بفترة الترشح وقد التزم بتنفيذها جميعاً وما ملف التجارة مع الصين إلا أحد أهم وعوده الانتخابية. تسخين الطاولة جزء من لعبة المفاوضات والدليل أن الأسواق المالية التي هبطت بعد إعلان ترمب عن جولة جديدة لرفع الرسوم عادت وقلصت خسائرها ولم تتعامل بحدة عالية كرد فعل لأن الأسواق متيقنة من أن الاتفاق هو الأقرب وأن ما يحدث ليس إلا مناورات المرحلة الأخيرة قبل التوصل للتسوية التي سيسعى كل طرف لتحقيق أكبر مكاسب وتثبيتها فحجم التجارة بينهما يعادل الناتج الإجمالي لدول ناشئة ذات اقتصاديات واعدة بل ويفوق ناتج بعض الدول الأوروبية المتقدمة ولذلك فإن الاتفاق بينهما أحد أهم العوامل التي تراقبها الأسواق لمعرفة وقياس الأثر على الاقتصاد العالمي سواء سلباً أو إيجاباً.