تعيين سمو الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة للمملكة في أمريكا يعتبر بكل المقاييس تطوراً نوعياً مهماً في تاريخ مشاركة المرأة في صناعة القرار، وخصوصاً أن أمريكا هي الدولة العظمى الأولى في العالم بلا منازع، والسفيرة فيها عملياً قرار يؤشر على الخطوات التنموية الحقيقية التي يوليها الملك وولي العهد لحقل التطوير البشري، والارتقاء بالمرأة، التي ظلت في الماضي وكأنها مواطن من الدرجة الثانية. وإذا كان أول الغيث قطر ثم ينهمر كما يقولون فأنا على يقين أن هذه الخطوة ستتبعها خطوات على نفس المنوال، الأمر الذي يؤكّد أن الدولة تسير بخطى إستراتيجية متئدة نحو (الدولة المدنية)، التي من مرتكزاتها المساواة بين المواطنين دون الالتفات إلى أجناسهم ومن يمثّلون. فالمرأة مكوّن من مكونات المجتمع، لها حقوق كما أن عليها في المقابل واجبات، وهي تمثّل نصف المجتمع، ولا يمكن إطلاقاً أن ينهض أي مجتمع في هذا العصر ونصفه معطَّل لأسباب وبواعث لم ينزل الله بها من سلطان، اللهم إلا بعض العادات والتقاليد البالية التي تجاوزناها في هذا العهد الزاهر، وخصوصاً أن هذه الأميرة امرأة فذة ولديها ثقة في النفس ومؤهلاتها العلمية تؤهلها إلى أعلى المناصب القيادية. ولأن علاقاتنا مع أمريكا علاقات إستراتيجية، ويكتنفها تعقيدات وتشابكات على أكثر من صعيد، فأنا على ثقة أنها ستتصدى لها، ولا سيما أنها تلقت تربيتها في بيت هو أصلاً بيت دبلوماسي، فوالدها الأمير بندر بن سلطان هو من أهم السفراء الذين تركوا بصماتهم على السفارة هناك مدة طويلة، لذلك فكانت طوال تلقيها للتعليم المنهجي في الجامعات تصقل علومها ومعرفتها في المنزل، الأمر الذي يجعلها فعلاً ليست غريبة على البيئة الدبلوماسية منذ نعومة أظفارها، ورغم أنني لم أتشرَّف بلقائها، إلا أن السيدات اللواتي قابلنها يتحدثن عن شخصية متعلِّمة ومثقفة، ذات منطق مقنع، وحضور، ومثابرة، مع سعة أفق جعلها تحظى بأن تكون أول امرأة في تاريخ المملكة تصل إلى هذا المنصب الرفيع. إضافة إلى أنها دخلت التاريخ من أوسع أبوابه كونها أول امرأة تسهم في المجال السياسي والدبلوماسي في تاريخ المملكة. كما أن تعيين الأميرة ريما في هذا المنصب السياسي الحساس والرفيع كان أفضل الردود على أولئك الذين يعتبرون أن المرأة مهمشة ومنقوصة الحقوق في المملكة، فالرد كان عملياً وقوياً، وخصوصاً أن منصب سفير المملكة لدى الولاياتالمتحدة طوال تاريخ المملكة لا يمكن المجاملة في قدرات وإمكانيات وأهلية من يتولونه، ولولا أنها أهل للثقة لما أسند إليها هذا المنصب المهم والحساس والخطير. أتمنى من كل قلبي أن يكلأها الله بعنايته، ويوفقها، ولا سيما أن قراراً جريئاً مثل هذا القرار، نأمل أن يكون باكورة إسهام المرأة في العمل السياسي. إلى اللقاء.