يجيء هذا العدد (600) في الرّبيع الخامس عشر من ميلاد الجزيرة الثّقافيّة التي أينعت فكرًا وأدبًا، وبدت صفحاتها حدائق ذات بهجة من ضروب القول وصنوف الأطاريح؛ ممّا جعلها مثالًا ساطعًا يحتذى في التّعدّديّة؛ ففي صفحاتها جرت الأقلام بمختلف الأفهام على نحوٍ يرسم ألوانًا متناغمة رغم تباين درجاتها ورمزيّاتها، وما كان ذاك لولا أنّ الجزيرة الثّقافيّة ذات رؤية خصيب، وفكر مستقلّ. ولم تقصر الجزيرة الثّقافيّة خطاها على تتبّع المشهد الثّقافيّ والفكريّ الدّاخليّ، بل جابت صفحاتها الآفاق، ورصدت الحراك الثّقافيّ والفكريّ خارج الوطن؛ لتضبط إيقاع إسهامها وفاق متصوّر يحمل الشّخصيّة الثّقافيّة والفكريّة على الإصغاء إليها، وتقبّل صوتها الزّاكي حضاريًّا. إنّ التّعدّديّة أفرزت تنوّعًا في الأطاريح لا من حيث الرّؤية وحسب، بل من حيث المصدر؛ إذ زاوجت بين المعرفيّ المؤسّس على الملاحظة، والعلميّ الرّصين الذي هو مخاض البحث والتّجريب؛ ممّا يميز الطّرح فيها عمّا هو جارٍ في صفحات الصّحف من كتابة صحفيّة تعتمد الملاحظة والتّناول المعرفيّ. كما أنّ التّعدّديّة أوجدت مُناخًا صحيًّا، وروابط رحم ثقافيّة، وتداعيًا فكريًّا يهدف إلى إعلاء إعلام هذا الوطن الباذخ؛ كما أنتجت روحًا اجتماعيّة في الوسط الثّقافيّ والفكريّ؛ خاصّة تلك الأعداد الّتي تخصّ بها الجزيرة الثّقافيّة أرباب الفكر والثّقافة والأدب والفنون؛ احتفاءً بمنجزاتهم، واحتفالًا بمسيرتهم؛ لتشدّ -بمثل هذا- عُرا الثّقافة بوشائج اجتماعيّة تمثّل رحمًا ثقافيًّا بين بنيها وذويها. ** **