إنها الثمانينيات.. نهاياتها تحديدًا.. الزمن متوقف تمامًا؛ إذ جميع الناس في المعمورة مسحورون، في إيطاليا، نابولي، مارادونا يراوغ كل شيء! اللاعبين، الحكام، راية الضربة الركنية، إنه يحرز أهدافًا من الضربات الركنية يا سادة، فماذا عن الضربات الحرة؟ إنها ضربات جزاء بالنسبة له! فماذا عن ضربات الجزاء؟ أنت تمزح بالتأكيد! في ميلان عدوى الجمال انتقلت، بيرلسكوني اشترى النادي، ومعه اشترى نجوم كأنشيلوتي، وزير الدفاع باولو مالديني، الأب الروحي للمدافعين فرانكو باريزي. سأقول لك نتيجة مباراة واحدة مع ريال مدريد، انتهت بخماسية للميلان في سان سيرو! كانوا يسمون هذه الحقبة الزمنية المصبوغة بألوان العلم الإيطالي: جنة كرة القدم! وفي الوقت نفسه شهدت ظاهرة أخرى هي استغلال عناصر التسويق الرياضي، وإن كنت أعتقد أنه ليس بكاملها راجع لدراسات مسبقة، ولكنه حدث! ملعب ميلان كان شاغرًا باستمرار، الحضور كان لا يتجاوز 60 ألف متفرج طيلة الموسم لمعظم الفرق في الملاعب الإيطالية في أوائل الثمانينيات، بعدما قلنا قفز للمليون، وتعداها في أندية ميلان ونابولي في 87 و88. كان بيرلسكوني يقول هدفي أن يستمتع المشجع بقيمة التذكرة التي اشتراها لمباراة ميلان. ملعب نابولي كذلك، أيضًا مع سفر نابولي لمدينة ما في كل مباراة للدوري خارج ملعبه وكذلك ميلان؛ بالتالي كانت تمتلئ ملاعب هذه الأندية أيضًا. وهذه نقطة خفية، وفائدة من فوائد التسويق الرياضي؛ فالأندية الأخرى استفادت في هذه الحالة ماليًّا، وشهدت رواجًا في ملاعبها وشوارع مدنها. الهدف من السطور السابقة التأكيد على قيمة «معنوية»، لكنها أكثر قيمة «مرئية» في الدنيا! «الجمال»، إنه الدافع، والسبب، والمفتاح، وعلاج العلة معًا! الجمال كقيمة أحد أهم أسباب النجاح، وما جنة كرة القدم التي أشرنا إليها إلا نتاج جمال وسحر ما رآه الناس، فتعلقوا به، فاستمر، فأنجحوه، فنجح! الدوري الإنجليزي كذلك عند بدايته الحقيقية، وتسميته الدوري الممتاز في 93، وطيلة مشواره الناجح حتى اللحظة، وتسيده عالميًّا «فنيًّا وماليًّا»، كان العمود الفقري الذي أنجحه هو أنشطة التسويق الرياضي، الاستثمار، التخصيص، كلها تخدم وتهدف ل«ضمان بيئة تنتج مثل هذا الجمال»، ميثاق الدوري الإنجليزي الصارم هذا بقوانينه ولوائحه، في معناه الباطن، هذا الهدف، توفير المتعة للمشجع، والأمان في الملعب، والجودة الفنية من اللاعبين، لا حواجز بين اللاعب والجمهور، ونرى اللاعب يحتفل معهم بالهدف، اللاعب يلعب رمية التماس أمام جماهير المنافس، والمسافة متر، رغم أنه دوري «كامل العدد» جماهيريًّا! الاتحاد الدولي نفسه تبنى التجربة الإنجليزية بالمناسبة؛ لتكون هدفًا؛ لأنها تزيد التفاعل، وجو «كرة القدم الذي تلمسه بنفسك في أي مباراة للدوري الإنجليزي عن باقي دوريات العالم». أخيرًا بقيت نقطة مهمة، هي أن التجربتين هنا: الإيطالية في الثمانينيات، ثم الإنجليزية من بداية التسعينيات حتى الآن، جاءتا بعد أزمات كبيرة، وصلت لتخيل أن كرة القدم قد انتهت في كلا البلدين؛ ففي 1980 كانت أخطر أزمة في تاريخ الكرة الإيطالية بثبوت الرشاوى، والتلاعب بالنتائج لخدمة المراهنات، وتم تهبيط ميلان ولاتسيو، فضيحة التوتونيرو كما سميت. في إنجلترا، وفي 89، كانت كارثة ملعب هيلسبروه، وحادثة التدافع الجماهيري في مباراة ليفربول ونوتنجهام التي كانت نتيجتها 96 قتيلاً. كان التدخل الملكي بعدها سببًا في ميثاق الدوري الإنجليزي وبدايته.. حتى نجاحه.. الجمال لن يخرج إلا بوجود بيئة وأسباب، أولها وأهمها «نظام» و»ميثاق» صارم ومرن معًا، والأهم أن يطبق على الجميع. على الهامش! الأزمات يراها الكثيرون النهاية، ويراها البعض بداية! بداية بالطريقة الصحيحة، نظام وقانون وميثاق، لا ليلزم الكل معنويًّا فقط، ولكن دفعهم أيضًا للعمل الجاد الحماسي السريع المدروس؛ لنرى نتائج فعلية في المستقبل القريب، تكون دافعًا لنتائج أخرى أفضل وأكبر.