بالرغم من مرور عقود على رحيلها إلا أن كوكب الشرق أم كلثوم ما زالت تتربع في قلوب محبي الزمن الجميل؛ إذ أُقيمت بالأمس حفلة موسيقية مفعمة بالشجن والطرب الأصيل، قُدمت بتقنية الهولوجرام التي تُعد أبرز التقنيات الحديثة والمبتكرة في عالم تقديم الحفلات. جاء هذا الحفل عبر سلسلة من الحفلات، بدأت في منتصف شهر ديسمبر الماضي ضمن مهرجان شتاء طنطورة في محافظة العلا. أطلت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي التي عرفناها ب»أم كلثوم» في بداية حياتها قارئة للقرآن، ولتسهم في زيادة دخل أسرتها انتقلت لغناء الموشحات الدينية في الحفلات البسيطة مرتدية العقال كرمز للوقار، لكن سرعان ما تخلصت من هذه الإطلالة على يد الشاعر أحمد رامي عام 1924م. يُعد الشاعر أحمد رامي ذو الأصول التركية أكثر من لازم أم كلثوم طيلة مشوارها الفني؛ إذ كتب لها أجمل الأشعار التي تغنت بها بعدد يقارب 110 قصائد، منها: يا مسهرني، يا ليلة العيد، أنت الحب، حيرت قلبي معاك، عودت عيني.. وغيرها. بالرغم مما حققته أم كلثوم من إنجازات وانتشار إلا أنها عُرفت بالبخل الشديد، لكن أحمد رامي هو الصديق الوحيد الذي كانت مكانته تفوق مكانة غيره من الأصدقاء؛ لذا قدمت له أم كلثوم خاتمًا هدية، تصالحه بها حينما دار خصام بينهما ذات يوم. وعلى كثرة اللغط الذي شاع حول علاقتها به؛ إذ اعتبره الكثيرون أكثر من مجرد صديق بالنسبة إليها، إلا أن زيجاتها الأربع نفت كل ذلك؛ فكان أول زواج لأم كلثوم شكليًّا من أحد أصدقاء والدها. وتم هذا الزواج في بداية مشوارها الفني من أجل السفر لإحياء حفل في القدس الذي يستلزم وجود محرم معها، ثم طُلقت منه فور عودتها. أما زواجها الثاني فكان من الملحن محمد الشريف، وزيجتها الثالثة كانت من الكاتب الصحفي ومؤسس صحيفة «أخبار اليوم» مصطفى أمين. الجدير بالذكر أن هذا الزواج كان سريًّا، أخفته الست عن أنظار الإعلام لمدة 11 سنة، وكشف عنه مصطفى في كتابه (شخصيات لا تنسى)؛ فكتب: «عرفوا الأسطورة، وعرفت الإنسانة، عرفوها فوق المسرح والأضواء مسلطة عليها، وعرفتها في غرفتها الصغيرة في الطابق العلوي منزوية تبكي في صمت..». زواجها الأخير كان من طبيبها حسن الحفناوي عام 1954م، وكان عمرها آنذاك 56 عامًا، في حين كان عمره 39 عامًا. دام هذا الزواج إلى أن توفيت، وهو الزواج الوحيد الذي تم إعلانه بشكل رسمي حتى وفاتها. لم يُعرف عن أم كلثوم التي غنت للحب كما لم يغنِّ له أي مطرب آخر أيٌّ من أزواجها الأربع أحبت! عُرفت أم كلثوم بالمكانة العالية، وعلو الشأن؛ فلم تكن تسمح لأي أحد بأن يدخل حياتها ويخالطها المجلس والمشرب إلا إذا رأت أنه يستحق ذلك فعلاً! فعلى الصعيد السياسي كانت علاقتها قوية ومتينة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي لم تتوانَ عن تقديم الأغاني الوطنية له في كل المحن التي كانت تمر بها البلاد في عهده، وتعد أشهرها أغنية «يا جمال يا رمز الوطنية» التي طلبها الرئيس عبد الناصر بشكل رسمي منها إثر حادثة المنشية عام 1954م. حينما توفي الرئيس عبد الناصر عام 1970م اعتزلت الست، ولم تعد إلى الساحة الفنية إلا بعد ضغط كبير من الرئيس أنور السادات الذي تلا عبد الناصر في الحكم. جهود السادات لم تتوقف من أجل عودة الست إلى إحياء البهجة في الحياة، وعودتها إلى الغناء فحسب؛ بل أسهم من قبل في إنهاء الخلاف والتوتر بينها وبين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي أسفر عنه أغنية «أنت عمري». خلافات الست مع زملائها في الوسط الفني لم تقتصر على عبد الوهاب؛ بل هناك من رفض التلحين للست رفضًا قاطعًا بحجة أنها تتدخل في كل صغيرة وكبيرة. وكان هذا الرفض من ملك العود السوري فريد الأطرش الذي لم يتراجع عن قراره حتى وفاته عام 1974م.