كتب نيتشه في غسق الأوثان (أولئك الذين لا أطيقهم) هكذا.. كل عمل بإزاء الاسم ثم صرّح بنقده دون أن يحمّل التورية والكناية ما لا تطيق. من خلال كتابه (سأخون وطن) وهو عنوان يغنيك عمَّا سطّره الماغوط وهي تورية عن أن جميع ما يذكرهم تحت طائلة الهجاء والسخرية قد فرّطوا وتركوا ما لا يجب أن يفرّط فيه أو أن يُترك! لذلك فالكل جعلهم أوطان مزوّرة دون تصنيف أو استثناء وهو بهذا يظلم دون أن يَظّلم! وهذا يقع كما أسلفت من قبل تحت عقدة اللاشعورية! وسواء كان بعضها حقيقياً أم من نسج الخيال فهي خيانة كسخريته وهجاءه الذي جاء لاذعاً وممعناً في النقد التجريحي وهو كذلك! وقد يراها البعض شجاعة وحرية في التعبير وربما يكون كذلك أيضاً إن كان الاستهداف نظام دكتاتوري وطاغية فليس عليه حرج في أن يمعن في السخرية منه لأنه كما يعتقد مزيّف لذلك تكون خيانته أيضاً مزيّفة غير حقيقية وهويبدي ذلك كأضعف الإيمان ولكن هل كان الماغوط قومياً لذلك لم يتمالك في أن يرى الوضع العربي بهذه الصورة المزرية؟ بما أنه كان أحد أعضاء الحزب السوري القومي فإن كان كذلك فهو سياسي كما يقول بذلك إيرنست غيلنر وهو بالأمس يلعن الساسة ويشجع على طردهم! والقوميّة ليست عيباً يُستتر منه إلا إن كانت مجحفة فجلّ الأوروبيين قوميين ومتعصبين أيضاً وغيرهم ولكنّ الماغوط رجل مشتت لا يعرف ماذا يريد ومتناقض فهو يطالب بالعدالة ولكنه لا يحققها مع غيره يكره الظلم بينما يظلم الآخرين لذلك قد يكون صادقاً كل الصدق حين يقول: اشتقت لحقدي النهم القديم وزفيري الذي يخرج من سويداء القلب لشهيقي الذي يعود مع غبار الشارع وأطفاله ومشرديّ! حين يهزأ الماغوط بالرجل العربي ينعت كل واحد ببلده وحين يأتي على دول الخليج يقف له النفط حائلاً بينه وبين ما يسمي من دولها فيطلقه على الخليجي عامة! ولا أدري إن كان الخليج كله يمثل عقدة نقص لديه أم لا؟ وكأن البترول خنجراً في خاصرته يكرهه وينعت أهله بسوء التدبير ولأنه لا يملكه وهو سلعة غالية فترديده دائماً قد يشفي ما في النفس ، ولمَ كل ذلك؟ هل الأيديولوجية التراجيدية كان لها أثر في أن يكره ويسخط على الجميع كما قال هو من قبل: الفرح ليس مهنتي؟! قد يكون ذلك! وربما هي بكائيات موجعة ومن لم يتألم من حال العرب؟ ولكنها شتائم مغلّفة بعتابات مؤلمة وإياكِ أعني واسمعي يا جارة! ولكن جارته لا تسمع وإن كَثر صياحه ونياحه! لا شك أن الماغوط إعلامي وكاتب مسرحي كبير ولو لم تكن له إلا (ضيعة تشرين) (وكاسك يا وطن) و(شقائق النعمان) لكفى أن يُخلّد اسمه في الأدب السوري الحديث وأن يكون فيما بعد أحد أبطال الحداثة السياسية التي لم تر النور حتى بعد أن شق جيبه كثيراً مع نزار قباني ودريد لحّام وإن كان الأخير قد نكص على عقبيه فحين لم ير هو لكلامه طريقاً وضاع كل شيء بين سرادق المخابرات ودهاليزها وضاعت معها سياط حزيران التي أدمت ظهور كثير من الأبرياء ويبقى المثل الشامي كصورة حقيقية نراها.. ذاب الثلج وبان المرج. ** **