عندما فاز الرئيس ترمب بالرئاسة، ولأنه لم يسبق له أن فاز بأي منصب سياسي من قبل، فقد اختار معظم أركان إدارته من طاقم حملته الانتخابية، من باب رد الجميل، وشمل ذلك الجنرال، مايكل فلين، الذي عينه مستشارًا للأمن القومي، ورئيس الحزب الجمهوري، رينيس بريبيس، الذي عينه رئيسًا لهيئة موظفي البيت الأبيض، ووزير العدل، جيف سيشون، وستيف بانون، العنصري سليط اللسان، الذي تم تعيينه كبيرًا للإستراتيجيين، وفي خضم ذلك، حرص ترمب على أن ينتقي كفاءة عسكرية، لا علاقة لها بحملته الانتخابية، أي الجنرال، جيمس ماتيس، وزيرًا للدفاع، ولأن ماتيس، أو الكلب العقور، عسكريًا محترفًا متميزًا، فقد أقر مجلس الشيوخ تعيينه بسرعة، الديمقراطيون قبل الجمهوريين، فهذا الجنرال الأعزب، الذي يقول إنه تزوج العسكرية، له تاريخ حافل بالنجاحات، خصوصا وأنه ينتمي لقوات النخبة، أي مشاة البحرية. لم يواجه الجنرال مشكلة مع الرئيس، فهو في طبعه صامت، ولا يحب الظهور الإعلامي، ويكره المواجهات، وكان لعقيدته العسكرية الصارمة دور كبير في عدم الدخول في مواجهة مع ترمب، فهو يؤمن بأهمية تراتيبية السلطة، والرئيس هو القائد الأعلى لكافة القوات المسلحة، وبالتالي حرص الجنرال، خلال الاجتماعات، على أن لا يتحدث، إلا عندما بطلب الرئيس رأيه، أو عندما يكون هناك أمر طارئ وهام، ويذكر المعلقون أن ماتيس، يؤمن بالقيم الأمريكية بعمق، ويعرف الدور المناط بالقوة الأمريكية الجبّارة، كما يدرك مهدّدات الأمن القومي الأمريكي، وهذه أمور لا يمكن أن يساوم عليها، فقد سبق أن فضّل أن يخسر منصبه كقائد للقيادة المركزية الأمريكية، على أن يهادن الرئيس أوباما، وذلك عندما رفض الأخير مقترح الجنرال بزيادة عدد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك كقوة ردع لإيران، التي يرى أنها تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن أمريكا القومي. لا شك أن وجود الجنرال ماتيس في إدارة ترمب يضفي ثقلا هائلا على الإدارة، بحكم خبرته، وشخصيته المحترمة لدى الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، ولكن يبدو أن شخصية ترمب القوية، وإصراره على أن يكون صاحب القرار الوحيد، أوصلت الأمور إلى طريق مسدود، بين الرئيس والجنرال، وربما أن قرار ترمب بسحب القوات الأمريكية من سوريا عجّل بالفراق بين الرجلين، وتشير التسريبات إلى أن ماتيس، سبق أن أقنع ترمب بالعدول عن فكرة الحرب ضد كوريا الشمالية، وفكرة قتل الرئيس السوري، بعد استخدامه السلاح الكيماوي، وبما أن عقيدة ماتيس هي التهديد بالقوة العسكرية دون استخدامها، فقد تكون استقالته مؤشرًا على نية ترمب دخول حرب جديدة، ضد حزب الله أو إيران مستقبلا، وإن كانت لا توجد مؤشرات واضحة على ذلك، والخلاصة هي أن رحيل الجنرال ماتيس خسارة فادحة لترمب، ولكن الرئيس هو صاحب الكلمة العليا، ولم يسمح للجنرال بالرحيل، إلا بعد أن اقتنع باستحالة تناغمهما مستقبلا، وربما أن الأسابيع القادمة حبلى بالمفاجآت.