2 -تقصير المدّ (العلة الطويلة) هذا ما يسمى عند القدماء بحذف العلة لالتقاء الساكنين، وهو عند أستاذنا تقصير للحركة الطويلة وهو محق في ذلك، والقاعدة عنده أن العلة الطويلة (الحركة الطويلة) تقصر في العربية ولهجاتها المعاصرة إن وقعت قبل صحيحين متواليين، وقال «أي قبل ساكن حسب تعبير القدماء»، وضرب أمثلة نجتزئ واحج منها: (أقامَتْ: ء َ ق َ َ م َ ت) لم تقصر الحركة الطويلة لأنها لم تتل بصامتين. ولكن (أقَمْتُ: ء َ ق َ م َ ت ُ) قصرت الحركة الطويلة لأنها تليت بصامتين. ثم ذهب يسأل عن مثل (هامّ ودابّة وحاجَّ) وهي ألفاظ تليت الحركة الطويلة فيها بصامتين، ولا تفسير لذلك إلا بافتراض بنية عميقة باطنة، فهامّ أصلها هامِم كشاعِر وجابّة أصلها دابِبَة كقاعِدة، وحاجّ أصلها حاجَجَ كساعَدَ، فلما تحولت إلى البنية السطحية الظاهرة طبقت عليها قاعدة التخلص من الحركة بحذفها إن وقعت بين صحيحين مثلين من غير أن يليهما صحيح ثالث (أي التقاء ساكنين حسب تعبير القدماء): ه َ َ م ِ م ُ ن ) ه َ َ م?م ُ ن) ه َ َ م م ُ ن وأما علة تجنب تقصير العلة الطويلة في (هامّ) ونحوها فهي أن قاعدة تقصير العلة الطويلة تسبق قاعدة حذف العلة القصيرة، فلما طبقت قاعدة حذف العلة القصيرة أولًا فات إمكان حذف العلة الطويلة. وهنا يرد قول القدماء في تفسير الظاهرة، قال «وأما رأي الأقدمين بأن عدم التقصير في الأمثلة السابقة هو (اغتفار التقاء الساكنين) فهو غير علمي لسببين، الأول أنّ (الاغتفار) ليس تفسيرًا مقبولًا لما يبدو أنه شاذّ، والثاني أنْ ليس في الأمثلة السابقة (التقاء ساكنين) لأنّ الألف علة طويلة»(1). وبهذه العلة أيضًا ساغ بقاء المدود (العلة الطويلة/الحركة الطويلة) عند الوقف على مثل: دعاكْ، وصبورْ، وجميلْ. والسبب هو أن قاعدة حذف حركات إعراب هذه الكلمات للوقف جاءت متأخرة عن قاعدة تقصير العلة الطويلة، أي أن المد لم يلاق ساكنًا ابتداءًا، بل لاقى متحركًا سكن بعد ذلك فظل المد كما كان. وأشار هنا إلى أن هذا دليل على ردّ ما نسب لقطرب وتابعه فيه إبراهيم أنيس، وهو أن الأصل في جميع الكلمات العربية سكون الآخر وإن الحركات في أواخر الكلمات نشأت للتخلص من التقاء الساكنين، إذ لو كان السكون هو الأصل لقصرت المدود فصارت (دَعَكْ وصَبُرْ، وجَمِلْ). ويلتفت إلى ما في بعض اللهجات من تقصير المد أو تركه كما في (نحن استشرْنا، وهو استشارْنا) ليرد قول من ذهب إلى أن السبب هو علاقة الفعل باللاحقة (نا)، أي إن كانت فاعلًا قصر المد وإن كانت مفعولًا بقي المد، واحتج بأن التقصير يكون في مثل (دع الرجل) أي من غير نظر إلى فاعلية أو مفعولية، وذهب إلى أنه «يمكن تفسيره بافتراض وجود علة قصيرة في البنية العميقة لهذه الكلمة، وهي موجودة فعلًا في الفصحى(استشارَنا)»(2). ولمزيد من التوضيح أذكّر بأنّه لا يذهب إلى تسكين الفعل لإسناده إلى الضمائر مثل (تُ/نا/تَ/تِ/تُما/تُم/تُنّ) بل الفعل ساكن ابتداءًا، أي إن قاعدة تسكين الفعل سابقة على قاعدة تقصير العلة الطويلة، فالذي يسند هو (استشارْ) لا (استشارَ)؛ ولذلك آل إلى (استشرْنا) فالعلة الطويلة تلاها صامتان الراء والنون فوجب حذفها. ... ... ... (1) داود عبده، دراسات في علم أصوات العربية، 2: 72. (2) داود عبده، دراسات في علم أصوات العربية، 2: 75.