الفصل الثالث: العلة الطويلة علّة واحدة أم علّتان قصيرتان متواليتان؟ يميل أستاذنا إلى عدّ العلة الطويلة في مقابل علتين قصيرتين كما عدّ الصحيح المضعف صوتين صحيحين، ويناقش في هذا الإطار تفسير اللغويين القدماء للفعل (قال) المتحول من الأصل المفترض (قَوَلَ)، فالنحويون يرون تحول الواو في الأصل إلى ألف في الفرع، ويرى قولهم هذا معانَدًا بأمور، منها أنه لا تفسير لسقوط الفتحتين أي السابقة الواو واللاحقتها، والقدماء، في رأيي، لا يلزمهم سوى تفسير ذهاب الفتحة اللاحقة، أما السابقة فهي في مكانها لأنهم يذهبون إلى أن كلّ مدّ مسبوق بحركة من مثله، فقبل الألف فتحة، وقبل واو المدّ ضمة، وقبل ياء المدّ كسرة، وأستاذنا يعرف هذا تمامًا ولكنه غفل عن ذلك، ما لم يكن له وجهة لم أتبينها، ويعاند قولَ النحويين أيضًا كون الألف تختلف سماتها الصوتية عن الواو، ويقترح تفسيرًا يراه أفضل، وهو أن الواو حذفت لما وقعت بين العلتين القصيرتين، وأنه بتوالي العلتين صارتا علة طويلة (ألفًا)، ثم يضرب أمثلة أخرى لتطبيق هذه القاعدة، ولعلي أخالف أستاذي بعض المخالفة فالتفسير في (قال) ونحوها هو أن المقطع الواوي حذف برمته ثم مطلت الفتحة القصيرة لتكون طويلة تعويضًا عن المحذوف. وهذا أعم ولا يحتاج إلى القول بمماثلة الحركات في مثل الفعل طال (طَوُلَ) أو نام (نَوِمَ) أو يسعى (يَسْعَيُ). ومن ثمرات عدّ العلة الطويلة علتين قصيرتين أنه يمكن توحيد علامة جزم المضارع فالعلامة هي حذف ما ينتهي به من علة قصيرة فالأفعال التي تنتهي بضمة ستحذف، والذي ينتهي بواو المدّ أي بضمتين ستحذف منه ضمة أيضًا: ي َ ك ت ُ ب ُ ) ي َ ك ت ُ ب ي َ د ع ُ ُ ) ي َ د ع ُ ولست أخالف أستاذي في عدّ الألف في قيمة حركتين؛ ولكني أخالفه في كيفية تكون ذلك، فهو يرى تجاور الفتحتين هو الذي آل إلى ألف، وأرى أن الألف كانت بسبب المطل، وهو أعم في رأيي، يؤيد ذلك ما نجده في اللغة من ظاهرة تسهيل الهمزة، مثل تحول (رأس) إلى (راس)، فهو بسبب حذف الهمزة ومطل الفتحة التي بعد الراء: ر َ ء س) ر َ َ س بقي أن أشير إلى ما ذكره منصور الغامدي في كتابه (الصوتيات العربية) ص126قال: «الصوائت الطويلة ما هي إلا صوائت قصيرة إلا أنَّ مدّتها الزَّمنيّة تساوي ضعف مدّة الصوائت القصيرة تقريبًا؛ فالفرق الأساس إذن ما هو إلا فرق في المدة/ الكمية، ومع هذا فهناك فرق في الكيفية أيضًا، إلا أنّه فرق ثانويّ بين المجموعتين. فلو وضعنا تردد النطاقين الرنينيّين الأول والثاني لجميع الصوائت القصيرة منها والطويلة لظهر عندنا فرق في تردد النطق الرنينيّة بين الصوائت القصيرة وما يقابلها من الصوائت الطويلة». الفصل الرابع: بين تقصير العلة الطويلة وحذف شبه العلة يعرض في هذا الفصل لظاهرة تترتب على جزم الفعل المضارع الأجوف الذي يتغير تركيبه المقطعي فينتهي بمقطع طويل مقفل (يَقولُ) لم يَقولْ) لم يقلْ)؛ إذ يلاحظ غياب الواو من الفعل الأجوف المجزوم، والقدماء ذهبوا إلى حذف الواو، وأما أستاذنا فيرى أن العلة الطويلة قصّرت فصارت علة قصيرة، وبين أن هذه الظاهرة عامة ليست خاصة بالفعل المضارع المجزوم، والقدماء أشاروا إلى ذلك في معالجتهم التقاء الساكنين، فذهبوا إلى حذف حرف المد إن تلاه حرف ساكن ما لم يكن سكونه للوقف، ولا خلاف بين أستاذنا وما قرره القدماء سوى بما تقدم من عدهم تخلّف العلة حذفًا وعده إيّاه من قبيل تقصير الحركة، وقد مثّل بأمثلة مختلفة منها إسناد الفعل الأجوف إلى ضمير متحرك (أراد+تُ) أردتُّ) وأوضح منه (أمال+تُ) أمَلْتُ)، وتوالي المد ولام التعريف (في الْبيت)، والنحويون يميزون بين ما يحذف لفظًا وما يحذف لفظًا وخطًّا، ورأى أستاذنا أنّ ذهابهم إلى الحذف هو بسبب تأثرهم بالكتابة مستدلًا بأن «مما يشير إلى هذا أن ليس هناك من يتحدّث عن (حذف حرف العلة) في مثل (في اقتصاد) حيث تلفظ كلمة (في) (فِ): فِقْتِصاد، وأخا الولد حيث تلفظ كلمة (أخا) أخَ: أخَلْولد»، والحق أنّ القدماء تحدثوا عن ذلك كما نجد عند المبرد في (المقتضب، 1: 210) قال عن حروف المدّ «وتحذف لالتقاءِ الساكنين فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تحرّك فِيهَا غَيرهَا نَحْو قَوْلك (هَذَا الْغُلَام) و(أَنت تغزو الْقَوْم) وَ(تَرْمِي الْغُلَام)، وَلَو كَانَ غَيرهَا من السواكن لحرِّك لالتقاءِ الساكنين نَحْو اضربِ الْغُلَام وقلِ الْحق». وبين في نهاية الفصل أن قانون تحويل العلة الطويلة إلى قصيرة لا يطبق إن كان (السكون) طارئًا على الكلمة، وهو أمر قرره القدماء فذهبوا إلى قبول التقاء الساكنين عند الوقف، وفي الختام استطراد متعلق بهذه المسألة، وهو الاستدل على أن النحويين لم يخترعوا حركات الإعراب؛ إذ الوقف على مثل (بابْ، جميلْ، صبورْ) وبقاء العلة طويلة؛ لأن السكون طارئ للوقف فلم تطبق قاعدة التقصير، ؛ ولو كان السكون أصليًّا وليس ناتجًا عن حذف الحركة للوقف لوجب تقصير المدود في المثل المذكورة.