12 أيار ليس لديّ ما أفعله، ليس لديّ ما أقوله. وأشعر أنني مُرْهَقٌ كمثل نايٍ مكسور. لكن، لماذا أكتب هذا الكلامَ، وأنا في حالةٍ عميقةٍ من الغبطة؟ لماذا لا يأتيني الحزن إلاّ عندما أكونُ في غَمرة الفرح؟ ولماذاا لا يأتيني الحِسُّ بالفراغ إلاّ في أَوْج الملِء؟ من أين تجيئني، إذن، إرادة الحياة، إرادة الاستمرار في الحياة، حتّى ولو عشتُ كمثل قشّةٍ بائسة؟ * الفراغ؟ ليس الفراغ في الخارج، لا في الأشياء ولا في الكلمات. الفَراغ في أعضائيَ وفي أَنْحائي. وخلاياي، هذه اللّحظة، كمثل زبَدٍ يَطْفُو على بَشَرتي. والشّكُّ ضوئيَ السّاطع. ألهذا يُعلِّمني الفراغ كيف أدجّن الموت، وكيف أروّض أَحْصِنَة أهوائه؟ ألهذا يُلَقّنني أسرارَ نشأةٍ ثانية؟ أكيدٌ - كان الفراغُ نموذجاً أَوْل لعمارَة الغيب، خصوصاً جَناته الموعودة. ربما لكي تُحْسِنَ الحياةَ والكتابةَ معاً، ينبغي أن تبدأَ بأن تحاربَ نفسكَ، وبأنْ تهدمَ حدودَها. * يَزْدادُ حبّي إلى ان ينتميَ جسدي أكثرَ فأكثرَ الى الأشياء التي يَعيشُ معها أو يُجاورها - الكرسيّ، الوسادة، الشرير الحجر، الشجر، العشب، الماء، الرّيح، الغبار... وإلى أن يكون صديقَها الحميم. وليس لي ما أتحدث عنه مع هذه الأشياء وما يشبهها، إلاّ هي نفسُها. أنتِ، أيتها الوسادَةُ، يأسُ اليقظة. أنتَ، أيّها الكرسيُّ، عَرشُ التّعَب. وأنتَ، أيّها الغبارُ، حِبْرُ الأيّام. * ما أوجعَ هذا النّهارَ وما ألطفه، - ضَوءٌ كمثل جرحٍ يَتحرّك في جسد الحديقة، زهَرٌ كمثل بَلْسنَ لهذا الجُرح. * حَقّاً، بقَدْرِ ما يَتْسعُ الحِسُّ والوَعْيُ يَتَّسعُ الشّقاءُ والموت. * لم أُولَدْ بعد، - لا تُولَدُ، حَقّاً. إلاّ خارجَ المكانِ الذي وُلِدْتَ فيه. * نقطةُ اللّقاء بين الضوء وبيني: شمسٌ سوداء. * الحزنُ يبتكر، اليومَ، عينيَّ. * أعظمُ ما يُفرحني، أيّها الشّاعر، أن تكونَ نقيضاًَ لي: مَنْ يزيّن لكَ أنّك تُشْبهني؟! كأنَّ نظامَ الطبيعةِ قائِمٌ لا لشيءٍ إلاّ لكي يبتكرَ دائِماً أَبْجديّةَ فوضَاها. * بين الشّجر وبحيرة "أوكام بوند" جسورٌ ليست من الثمر ولا مِنَ الماء. وَما أكثرَ أخَطْاءَ الهندسة، لكن في كلّ خطأٍ هيكلٌ عزيزٌ لا تقدر أن تدخلَ اليه، إلاّ الشّمس والهواء. * كلّما أصغيتُ الى صوتِ هذا العُصفور، الذي يتكرّر دائماً، والذي لا أعرف اسْمه، أتساءَلُ: هل صوتُه في حنجرتهِ، أم في جناحيه؟ * مَنْ أَنا لكي أعرفَ كيف يُفْهَمُ النّهارُ على هذه الأرض، والنّهارُ نفسُه يكاد أَنْ ينسلخَ مِن نفسه، لكي يتعوّدَ أَنْ يصيرَ ليلاً؟ * ما أَلْطفَ أن تُشاهِدَ كيف يغازِلُ غصنٌ غُصناً آخر، وكيف تنامُ وَرْدةٌ على عنقِ وردةٍ ثانية. * لا فَصْلَ في الطبيعة بين السُّلطاتِ التي تسودُها، - كلّ شيءٍ فيها، ما عدا الإنسان، هو في الوقت نفسهِ سيّدٌ مسودٌ، معشوقٌ عاشِق. * في اللّسانِ، تَتجسَّد جَنّةُ الشّفاه. * سنجابٌ كمثل قاربٍ صغيرٍ يَسبح في بحيرة العشب * يَمامَةٌ هَمّتْ أن تلامسَ وَجْنتيَّ، وهي تعبرُ طائرةً أمامي، - أيّتها اليمامة، لماذا لا يكفيكِ هذا الفضاء؟ * مَطَرٌ، حِبْرٌ عاشِقٌ يَنْسكبُ في أقلام الأَرْض. * لَو كان التّرابُ مجرّدَ تُرابٍ لما نَبتت فيه عشبةٌ واحدة.* هَل، حَقّاً، ستكون الصّحراء أكثرَ سعادةً لو تحوّلت الى بحيرة؟ وماذا يحدثُ لو راح الحجرُ ينطقُ بفمِ الهواء؟ * لليأس معِدةٌ لا تَشبع اسمها الأمل. * ما هذا الواقع؟ لا يحارب الحلم، وإنّما يَعمل على أن يُبقيهُ مقْعَداً: يقطع يَديه وقدميه. * سَأُجازِفُ: أقولُ للهاوية اسْبُريني ولِلزّمنِ اتْبَعْني. * الذّاكرةُ مُختَبرٌ فيهِ نَسْتَنْسِخُ أَهْواءَنا. * متى تتعلّمُ الشّكوى تلك الكآبةُ التي تخيطُ شَفتيَّ وعينيَّ؟ متى تتعلّم البكاء؟ * اليومَ تظاهرتِ الغيومُ في هانوفر ضِدّ سِياسَةِ الشمّس، وتَعاطفَتْ معَها جميعُ النّباتات. * بكى الشّجر أمس، عندما أخذتِ الرّيح تشرحُ له كيف تهبُّ، ومن أين جاءَتْ. عندما انتهى الشّرح، توقفَ البكاء. * تَغْضَبُ عَليَّ، لأنّني أتَجادَلُ مع الغيب؟ أَتُريدني، إِذن، أن أكونَ مثلكَ، خَصيماً للحجر؟ * أجملُ ما في الوَرْدة أَنّها تَسمحُ لكلّ امرأةٍ أن تتشبّهَ بها. * يقول، استناداً الى خُبْرته: لا يفهمُ الخمرةَ إلاّ الرأسُ الذي يَتحوّل الى كأس! حَيٌّ، - غير أَنّه لا يعاشِرُ حياتَه، بل تمثاله.