ما زلت حتى الآن أجهل الأسباب الحقيقية من وراء منع الكتب، وما هو السر الذي يجعل من الرقيب يمارس وصايته الفكرية على الوعي الخاص بأفراد المجتمع، ويتيح لنفسه حرية انتقاء ما يود «هو» منهم قراءته ويحجب عنهم ما لا يناسب توجهاته الفكرية. كل الأسباب التي تُبديها لجان الرقابة «لا تبدو مقنعة»، هذا طبعًا في حال إبدائهم لأسباب المنع أصلاً، فضلاً عن الطريقة التي يعتمدونها في عملية المنع والتي تظلم النصوص المجتزئة من سياقاتها الأدبية، وهو ما يغير في الدلالة التي يرمي إليها الكاتب. فكيف يُمنع كتاب كامل بسبب عبارة وردت على لسان أحد الشخوص، ولأغراض أدبية! وفي الشهرين الماضيين انبرى كثير من الأدباء والمثقفين على المستويين العربي والخليجي خلال للمشاركة في الوسم الرائج على برنامج التواصل الاجتماعي Twitter بعنوان #ممنوع_في_الكويت، حيث عبروا عن امتعاضهم من تسلط الرقابة ومنعهم للكثير من الكتب على مختلف المسميات والتوجهات للحد الذي بلغ بهم أن يمنعوا كتبًا في مجال الطبخ..! هذا الأمر لا يعني الكويت فحسب التي تعد بلدًا للحريات والتعددية الثقافية ومنارة في مجال الأدب والثقافة والفنون، لكنه يهم كل كاتب أو مثقف يرفض ممارسة الوصاية على عقله والتدخل في حريته الفكرية، لأنه يعيدنا لعصور خلت من الرجعية والخوف من الكلمة ومحاربة التنوير، فهذه الممارسة لا يمكن تصنيفها على أي شيء آخر ما عدا الجاهلية الثقافية. إنَّ ما يجهله المسؤول عن منع الكتب وفسحها في أي دولة كانت، هو أنَّ كل كتاب يتم فسحه يدعم تقدم الدولة التنموي والثقافي ويسهم في خلق بيئة فكرية ثقافية متعددة ومحفزة، بينما منع الكتب يخنق الجو العام ويقتل حرية التعبير لدى المبدعين، ويهدم الواجهة الحضارية للمجتمع، ويبقينا ضمن مصاف دول العالم الثالث. إنَّ ما أؤمن به حقًا هو أنَّ الدول العربية لن تتقدم قيد أنملة طالما أنَّ في جعبة الرقيب كتاب واحد ممنوع، فمواجهة الفكر لا يكون إلا بالفكر، والكلمة بالكلمة، أما «المنع» بهذه الطريقة التعسفية فهو وسيلة الضعفاء أو المتخوفين من التنوير. إنه طريقة للهروب من مواجهة الحقيقة الإنسانية التي تقدمها الكتب عارية من كل مساحيق التجميل. ** **