تربى في رحاب الذكر والمتون فاستمطر من سحاب الفكر الشأن والشؤون مسطّراً سيرته بصوت «السكينة» معطّراً دربه بصدى «الطمأنينة» قارئاً وحافظاً لكتاب الله ومعلماً وإماماً وخطيباً.. وترقى بيقين «البيان» في محافل الإمامة والخطابة.. فمضى سائراً يسكب العبرات «خشوعاً» في صلاة السر ويسبك الاعتبارات «خضوعاً» في صلاة الجهر.. إنه أمام الحرم المكي سابقاً والمدني حالياً الشيخ عبدالباري الثبيتي أحد أبرز أئمة الحرمين الشريفين وقراء القرآن الكريم بالعالم الإسلامي. بوجه دائري تشع منه سمات «الفضيلة» ويتوارد منه ضياء التقى.. مسكون بالوقار متشح بالسكون.. ولحية كثة سوداء يتوسطها «المشيب» مكملاً على محياه «الطيب» ومحيا حافل بالهدوء وعينان يعلوهما حاجبان متماسكان وتعابير حجازية قبلية تتشابه مع نشأته «المكية» وتتكامل مع جذوره الطائفية وصوت أخاذ فريد يحمل نبرة الجودة وسكنات الإتقان أمضى الثبيتي من عمره سنيناً وهو يصدح بآيات الذكر الكريم في رحاب الحرمين المكي والمدني في مسيرة أشبه بظاهرة صوتية فريدة سجّلت صداها على أسماع المصلين والمتلقين وأمطرت بمداها وقائع الزمان والمكان لتصل إلى منصات «الذائقة الدينية» و«التذوّق الإيماني» في أفئدة المسلمين بشتى بقاع الأرض. في مكة نشأ الثبيتي نبيلاً نبيهاً يتردد على حلقات التحفيظ مصطحباً مصحفه الذي كان رفيقه في مدرسته ومرافقه وسط منزلة مراقباً للتراتيل التي اعتمرت قلبه «طفلاً» مستأنساً بتلاوة زكي داغستاني متلذّذاً بتجويد عبدالله خياط شغوفاً بلحن صالح بن حميد معجباً بلكنة عبدالرحمن السديس منجذباً لتناغم أصوات علي بن جابر وعلي الحذيفي فتشكلت في حنجرته باكراً مكونات مذهلة من الإبداعات الصوتية والتلاحمات اللحنية فتروحن مع الألحان القرآنية والمزامير البيانية التي جعلته يردد بروفات «الحفظ» و«التلاوة» على أسماع والديه وفي حضرة معلميه فكانت بصمة أولى على بياض صحيفته التي كانت متوافقة مع نذير ذاتي بالتميز الشخصي في مجاميع «التحفيظ» و«عتبات» التفوق ومراتب «المثالية» سار الثبيتي باكراً بخطى دؤوبة بين أقرانه متجهاً لبيت الله الحرام ماثلاً أمام منظومة التدريب الأولى في حلقاته المتحفة بالحسنى وإلى منابره المتوشحه بالتلاوة خاضعاً إلى ميزان مهارة وتوازن موهبة جعلته مشروعاً مكللاً بالنجاح بشهادات المقربين واستشهادات الأقربين. نشأ الثبيتي وسط أسرة لقنته «معاني» التدين وأشبعته بمراتب «الفضل» ودربته على سمات التنافس.. فصال وجال متشرّباً من ينابيع الطهر المكي معتقاً بصفاء زمزم فسجل محبته ونبوغه المبكر في ذاكرة الجيران واستذكار الأقارب مدوناً في ذهنه «التفاصيل الروحانية» لمشاهد القائمين والركع السجود في صحن الطواف واضعاً من رحلته بين الأمنيات والكفاح ثبات أول وإثبات أخير قوامه «تعلم القرآن» واستقامته «حلم الإمامة» وقامته «أمل الخطابة» فتشكلت في ذاكرته دوافع الإصرار وانبثقت في ذهنيته منطلقات الطموح. تلقى الثبيتي تعليمه العام في مكة ثم نال بكالوريوس علوم من جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1405ه ثم حصل على دبلوم عالٍ في الشريعة بتقدير ممتاز من جامعة أم القرى بمكةالمكرمة عام 1409ه. ثم على ماجستير من كلية الشريعة بنفس الجامعة بتقدير ممتاز عام 1415ه، عمل مدرساً لتحفيظ القرآن بمكةالمكرمة وهو في سن مبكرة. وأشرف على بعض حلقات التحفيظ بجدة. ابتعث عام 1397ه من قبل جماعة تحفيظ القرآن الكريم بمكةالمكرمة لإمامة المسلمين في صلاة التراويح لشهر رمضان في أحد المراكز الإسلامية ببريطانيا، وحصل على المركز الأول في المسابقة الدولية لتحفيظ القرآن وتلاوته وتجويده في عامها الأول التي أقيمت بمكةالمكرمة عام 1399ه. شارك في إمامة المصلين في المسجد الحرام من عام 1410ه - 1413ه، وذلك في شهر رمضان المبارك وعيّن عام 1414 إماماً وخطيباً بالمسجد النبوي الشريف واستمر في أداء الصلوات حتى عام 1428ه أصيب بمرض منعه عن الصلاة الجهرية فترة من الزمن عاد للإمامة في الصلوات الجهرية بعد انقطاع دام 4 سنوات سجّل القرآن الكريم كاملاً في إذاعة المملكة العربية السعودية عام 1399ه. امتطى الثبيتي صهوة «العلا» بين مكة والمدينة مخلداً إرثاً من التلاوات والتراتيل التي امتزجت بالصوت الباهر والصدى المذهل والملحمة اللغوية الفخمة التي كانت «وسام الهبة الربانية» «وسمة الموهبة البشرية». عبد الباري الثبيتي الإمام النبيل الذي سجل اسمه في سيرة «الفخر» وترك صوته «شذى إيمانياً» و«عبيراً بيانياً» يطرب الآذان ويغمر الوجدان بعبق القران وافق البيان.