عندما وصلني خبر وفاة أعز الإخوة وأغلى الأصدقاء إبراهيم بن محمد الربدي شعرتُ بأن جزءاً مني.. من حياتي.. من ذاكرتي ومن ذكرياتي قد أختفى ربما إلى أن يكتب لنا الله اللقاء في مكان إن شاء الله أكرم وأفضل من هذه الدنيا. التقيتُ بإبراهيم على مقاعد الدراسة في المتوسطة وفي الثانوية وكان دائماً يبزني ويبز بقية اخوتنا بتفوقه.. لم يسمح لي مرة بأن أكون الأول.. كان تفوقه في الرياضيات والعلوم باهراً.. لكن خلقه الدمث كان يمسح مشاعر الضيق خصوصاً لدّي أنا الذي كنتُ أكثر المنافسين على المركز الثاني.. وعلى أية حال فقد كنا لا نفترق إلا ما ندر.. أتذكر بوضوح أننا كنا نفرح بقضاء يوم أو يومين في مزرعة المتينيات متمتعين بالكرم الأسطوري لوالده محمد العبدالعزيز الربدي.. أحد كبار الأعيان في بريدة.. وأتذكر كيف كان رحمه الله يشملنا بمحبة ورعاية لا يقدر عليها إلا الأب الحنون.. ومن جميل الصدف أنه ووالدي كانا من العقيلات المعروفين.. التقوا في العراق والشام ومصر وفلسطين.. جمعتهم الغربة كما جمعتني مع إبراهيم رحمه الله.. تخرجنا من الثانوية في نفس العام 1963م وذهبنا إلى الولاياتالمتحدة لدراسة اللغة أولاً ثم لإتمام الدراسة الجامعية وفي كل مدينة حللنا فيها كنا نحرص على السكن معاً.. كانت شقتنا المتواضعة في اوستن تكساس ملتقى الكثير من الزملاء والأخوة.. وكان إبراهيم يجيد الطبخ (أقصد الكبسة ولا غيرها) ثم انتقلنا إلى جامعة كانساس وكان منزلنا مقصد الكثير من الأخوة العرب الذين لم يكن إبراهيم يضيق بهم كما كنتُ افعل أحياناً.. كان زوارنا خليطاً رائعاً من الأخوة السعوديين والعرب.. من الجزائر والكويت ومن مصر ومن فلسطين ومن غيرها من شباب العرب الممتلئ تفاؤلاً وأملاً بمستقبل عربي تظلله أعلام الوحدة والأخوة.. ولم يخطر ببال أي منا أن قادم الأيام سيكون صعباً كما هي حال أمتنا اليوم.. لكنهم جميعاً كانوا يتمتعون بروح الأخوة التي تشع من قلب إبراهيم والكرم الذي ورثه.. أتذكر أنني فجعتُ بوفاة شقيقي محمد رحمه الله في عام 1965م وكان من حسن حظي أن إبراهيم كان بجانبي.. يومها شعرت بشيء من الارتياح.. فقد كانت شخصيته المتماسكة والقوية خير سند لي فقد كان محمد أكثر من شقيق.. عرفه الناس فأحبوه.. وأعطى أكثر بكثير مما أخذ.. وشاركني إبراهيم فرحتي عندما وصلتني رسالة من رئيس قسم الحضارة الغربية في الجامعة تدعوني لأن أكون مدرساً لمادة الحضارة الغربية التي كانت مادة إلزامية للطلاب في سنواتهم الأولى في الجامعة.. لم أصدق أنني حظيت بهذا الشرف.. أما هو فقد كانت فرحته عظيمة حيث سارع لإبلاغ جميع الزملاء وأقام عشاء دعا له الأحباب وتفنن في طبخ الكبسة والمرق ونشر جو من الفرحة سيبقى طعمه دائماً في ذاكرتي.. أما أنا فقد كان فخري واعتزازي بحصول إبراهيم على شهادة البكالوريوس في مادة الهندسة الكيميائية (التي لم يسبقه لها أحد من زملائنا في ثانوية بريدة) عظيماً وبلا حدود.. لدّي الكثير مما أقوله.. وفي الحلق غصة.. وفي العين دمعة.. لكنني عندما زرتُ إبراهيم في المستشفى منذ أسبوعين كان متفائلاً ومتماسكاً كما عرفته دائماً.. بهرني كل ذلك الحب والرعاية التي قدمها ابنه وليد وأخوه خالد وابنته حنان وبقية الأبناء والبنات وكل فرد في عائلته الصغيرة.. شعرتُ بشيء من الارتياح وقليل من التفاؤل: لكن لكل أجل كتاب.. إليهم وإلى أخي الحبيب صالح وبقية أبناء وبنات محمد العبدالعزيز الربدي وكل أقارب ومحبي إبراهيم الكثر أقدم عزاء المحب.. رحم الله أبا محمد وشمله بعفوه ورضوانه.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.