د. فؤاد مغربل المغرم بمدينته مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومستلهم تراثها البيئي والمجتمعي يقول إنه يجب ألا يسأل عاشق عن معشوقته فكيف لا تعشق المدينة وهي مهد الحضارة الإسلامية، وهي قصة حضارية في عمارتها وفنونها وعاداتها وتقاليدها وحرفها وصناعاتها التي نهلت منها وما زال في ذاكرتي الكثير، لأن من مصادر أي ممارس للفن التشكيلي هو ذاكرته وبيئته والمكان الذي يعيش ويتعايش معه. بدأنا حوارنا معه عن تجربته الفنية حيث قال عنها: من خلال الممارسة والدراسة بدأت كما بدأ غيري بالاهتمام بالتراث بكل جوانبه وبذات التركيز عليه وما زلت حتى الآن ووجدت آراء كثير منها (حينما نرافق د. فؤاد مغربل عبر لوحاته، نشعر أننا نعيش في أجواء تراثه وأمام فنون شعبية مختلفة بكل صدقها وعفويتها وبراءتها وجمالها - د. فهد المغلوث) و(معظم أعماله تصوير لمعشوقته (المدينةالمنورة) و(من عاشق وصلت ريشته حد الهيام، فرسم أرضها الطاهرة، مآذنها الشاهقة، قبابها الجميلة، نخيلها الوارفة، أبنيتها ومنازلها الشعبية، رواشينها وأناسها الطيبين - د. محمد الدبيسي) و(التشكيلي فؤاد مغربل سيظل عاشق المدينةالمنورة الذي لم يكتب قصيدته اللونية حتى الآن في معشوقته (المدينةالمنورة) لكنه بالتأكيد نقش حبه بصدق في قلبها - إخبارية الفنون التشكيلية) و(لقد عشق الفنان فؤاد مغربل تراث مدينته الخالدة وفنونها الشعبية حيث نشأ ونما وسط مجامع الحارة) انتهى الاقتباس ويقول الفنان الدكتور فؤاد حول الكتابة عن مسيرة الفن التشكيلي: الفن التشكيلي هو عطاء إنساني لا يمكن أن يحدد بفترة زمنية معينة لأنه نشأ مع الإنسان منذ وجد على الأرض، فلولا الفنون لما كانت هناك حضارة أو ثقافة على وجه الأرض ومن هذه الفنون وأهمها الفن التشكيلي فهو يشمل كل فن له شكل أو هيئة فراغية، أي كل إنتاج ملموس ومحسوس ومرئي، ومع أنه ليس كل إنتاج هو فن ولكن كل فن هو إنتاج وليس كل تعبير هو فن ولكن كل فن هو تعبير. وحول الفن التشكيلي في المملكة، الذي يزيد عمره عن نصف قرن قال: (استطاع في هذه المرحلة أن يحلق بعيداً ويشهد تطورات هائلة. حتى أضحى يزخر بأساليب فنية بديعة. تعكس الروح العصرية وينسجم مع الحركات الفنية المعاصرة فالفن هو إنتاج حضاري وتعبير ثقافي له شروط وقوانين تميزه عن غيره من الإنتاج. ويضيف د. مغربل أن تأثر الفنانين التشكيليين بالمدارس والأساليب التشكيلية العالمية مكَّن البعض منهم من أن يطلقوا العنان لخيالهم ليصبح التراث باعثاً وملهماً لأعمالهم من دون أن يتهموا بالتحجر والجمود، فالإبداع التشكيلي هو تعبير وبحث مستمر عن الخصائص الجوهرية للثقافة المتجذرة بالهوية وكيفية حضورها على الساحة الفنية المعاصرة دون تهجين وسلخ الهوية الضاربة في أعماق الماضي، مؤكداً على أن مخزوننا الحضاري يتمثل في ذلك الموروث الذي ينحصر بين ثنائية الأصالة والمعاصرة بما فيها من أساليب وتقنيات تقودنا إلى خلق إبداع فني، ويشير الفنان د. فؤاد مغربل إلى أن الفنان التشكيلي برؤيته يستطيع أن يؤكد مواكبته العصر متكئاً على موروثه وحضارته ومعطياته وبالتالي رسم شخصيته التي لم تنسلخ ولَم تتوار في ظل وشكل المتغيرات، وهناك مصادر كثيرة يستلهم منها. وعن تأثير تنقل د.مغربل في أكثر من دولة للدراسة أو العمل على لإبداعه قال: من خلال الدراسة مررت على قراءة الكثير من كتب تاريخ الفن واطلعت على الكثير من الصور والعلوم. نقرأ ونشاهد الكثير من الصور في الكتب والحاسب الآلي ولكن أن ترى ما تقرأ عنه حقيقياً وتلمسه فإنه يفيض ويضيف إلى رؤياك وعلمك الكثير وأضاف الكثير من عمق الرؤيا والتنوع، فترى في كل ما تنظر إليه من أعمال مسطحة أو مجسمة قصة تحكي تاريخ فترة وهكذا.. ولكن من خلال رحلاتي الدراسية والعملية، ساعدني ذلك على العيش والتعايش مع التاريخ والحاضر في كل متحف أو معرض شاهدته حول العالم والتعايش مع المعروضات كل على حدة، وأن تعيش التاريخ والمعاصر خير من ألف كتاب أو صورة، مما زاد من حصيلتي وخبرتي، والاستفادة من هذا الفكر في أعمالي بأسلوبي الخاص بدون تقليد. كما تتعرف على الإرث التاريخي لكل مرحلة زمنية في أعمال مسطحة أو مجسمة أو معمارية ومدى التطور لكل مرحلة. وأن أجهزتك الحسية بكل طاقتها تكون حاضرة عندما تقف أمام كل عمل تشاهده فتتذكر ما قرأت وتقبل على جمال ما تراه وتعيشه وتتمتع بانفتاح وتعاطف ليكشف العمل عن كوامنه من أسرار الجمال. وحيث ظهر ذلك في أعمالي للأخذ بالتقنيات اللونية في إثراء الفن المحلي بالتنغيمات العالمية. وعن تقديمه لأجيال من الطلبة وكيف تراهم اليوم قال الدكتور مغربل: إن هناك عدداً كبيراً منهم من أخذ يشق طريقة في مجال الفن التشكيلي ومنهم من أخذ يبرز في مجال عمله كمدرس للتربية الفنية ويتواصل معي الكثير منهم حتى تاريخه، ولكن عتبي على بعض منهم للاستعجال وعدم تقبل التروي حتى النضوج ويعتقدون أنك عائق لهم مما أدى إلى توقف بعضهم حيث بدأوا، وبعضهم يعمل حسب متطلبات السوق وهذا أخطر، وبعضهم مشاركو مناسبات والاستعجال في إقامة معارض شخصية ليضاف إلى السيرة الذاتية فقط وأتمنى عليهم أن يستمتعوا بما يعملوا مضاء بالعقل والمخيلة، وأن تكون بيئتهم هي سر عملهم بأي خامة وأي أسلوب. ويختتم الدكتور فؤاد مغربل حوارنا برسالة إلى وزارة الثقافة أن تعطي الصلاحية للتنظيم وإجازة إقامة صالات العرض والدورات والمعارض إلى فروع جمعية الثقافة والفنون لإعطاء المجال التشكيلي فسحة من الحرية والتوافق مع رؤية 2030 ووضع خطة تنظيمية توزع على جميع الفروع تتواءم مع القيم والأعراف والتقاليد. فالفن التشكيلي لغة عالمية لها عمومية الفن وخصوصية الموطن فهو وسيلة اتصال بين الشعوب وبين العصور. وحلقة الوصل بين الفنون كلها وهو الأداة وهو الوسيلة والإنتاج الأكبر في الموروث الحضاري كماً ونوعاً.