كنا في نقاش أنا ومجموعة من الزملاء بخصوص ارتفاع رواتب اللاعب السعودي، وتأثير هذه المبالغ المرتفعة على مستوى اللاعب والتي غالباً تصبح (لدينا) تأثيرات سلبية. مازلت مصراً أن الرقم كرقم لا يعني شيئاً، وأن محاولات تخفيض هذا الرقم ليست حلاً على الإطلاق. بل إن الحل كله يكمن في كيفية التعامل مع هذا الرقم، وما يرتبط به من تقييم أداء وعقود مفصلة وقدرة مالية (حقيقية) لدى الأندية على تقديم مثل تلك العروض والمرتبات الشهرية للاعبين. وكنت قبل عدة أيام قد طالعت سلسلة تغريدات من مغرد مصري (أشرف الخولي)، ناقلاً ومترجماً قصة مؤثرة عن اللاعب البلجيكي ذي الأصول الكونغولية (روميلو لوكاكو) وكيف كانت حياته تحت مستوى الفقر معبراً عنها بعبارة: (كنا معدومين، ولم نكن فقراء فقط). هذا اللاعب الذي نشأ في بيئة يعصرها الفقر عصراً، أضحى أحد أبرز مهاجمي العالم حالياً بعد صفقة انتقال قياسية بلغت 90 مليون باوند لبس خلالها قميص أحد أشهر أندية العالم (مانشستر يونايتد)، وها هو الآن أحد المنافسين على لقب هداف كأس العالم في نسخته الحالية في روسيا. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تجاوز لوكاكو صدمة الأموال وهو الذي كانت والدته في طفولته تضطر لخلط الماء بالحليب لعدم قدرتها على توفير قيمته، لأحد أغلى لاعبي العالم وأكثرهم انضباطية وحماساً؟ والسؤال الآخر: لمَ لمْ تتسبب هذه الأموال الطائلة في تشتيت اللاعب الذي كن في سن الثانية عشرة يلبس حذاء كرة القدم الخاص بأبيه لعدم قدرته على شراء حذاء خاص به؟ كثيرة هي تلك الأسئلة التي نستطيع طرحها اقتباساً من قصة لوكاكو أو كريستيانو أو ميسي أو جابرييل خيسوس، لنرى أن الأموال وحدها ليست السبب في ضياع مستوى لاعب أو ضياع حماسته. دوماً نردد أن تلك الأموال هي من قتلت الطموح لدى لاعبينا، والأكيد أن 99.99 % من لاعبينا لم يصلوا لمرحلة الفقر التي وصلها لوكاكو، ولم يصلوا أيضاً لمرحلة الثراء التي وصلها المقاتل البلجيكي. العلة الحقيقية في أن تلك الأموال التي تصرف على لاعبينا ليست محلاً للمراقبة والتقييم، وليست في ذات الوقت محكمة بتفاصيل دقيقة في العقد قد تتبخر معها كل تلك الأموال في لحظات. الحل في تغيير العقود الحل في إلزام الأندية بقدراتها المالية فقط دون تجاوز الحل في تهيئة اللاعب لتغيير جذري في حياته المادية ولن يكون الحل إطلاقاً في تخفيض أو رفع سقف أجور اللاعبين. ملاحظة أخيرة راتب شهري بقيمة 30 ألف ريال لشاب لم يصل للعشرين من عمره، هو نقلة جذرية في نوعية ومستوى حياة اللاعب الذي لم يكن يملك قيمة مواصلاته للنادي. ورغم ذلك الرقم، فنحن لم نلامس الحد الأعلى لمرتبات اللاعبين. أعيد وأكرر: الرقم (كرقم) لا يعني شيئاً، ما لم يرتبط بعدة أشياء تجعله منطقياً أو خارجاً عن المعقول.