أثناء دراستي في الولاياتالمتحدة، كنت أجلس مع زميلين أمريكيين في المقهى، والمقهى هو المكان المفضل للبحث والكتابة، وفجأة نهض أحدهما وانطلق مسرعاً، وكأنه تلقى اتصالاً يطلب منه سرعة الحضور، فسألت صاحبه: «إلى أين سيذهب؟»، فقال: «هو دائماً في عجلة من أمره للذهاب إلى اللا مكان!»، ورسخت هذه العبارة في ذهني حتى اليوم، وأتذكرها كلما رأيت أحداً يسير بلا هدف، وأظنها تنطبق تماماً على نظام الحمدين في قطر، الذي وضع في ذهنه أنه سيصنع مجداً، من خلال مناكفة الكبار، وممارسة التناقضات، في سعي حثيث لوضع اسم قطر على الخارطة، وفرق بين أن تضع اسمك على الخارطة بسبب السياسات المتزنة، وبين أن تضعه بسبب المشاكسات والمناكفات التي لا تنتهي، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن هذا السلوك سينتهي، فقد أصبح خارطة طريق، يسير على هديها هذا النظام. نظام الحمدين هو النظام السياسي، الذي تشبه سياساته تناقضاته، فقد تبنّى الرجل الأول في التنظيم الدولي للإخوان، المليونير يوسف القرضاوي، الذي يعيش في قصر منيف، ويعيش أبناؤه في العواصم الغربية، وهو في ذات الوقت، مفتي الانتحاريين، الذي أفتى لأهل ليبيا بقتل القذافي، ثم تركهم يواجهون مصيرهم، وطلب من شعب مصر أن يثور على مبارك، ثم طلب من ذات الشعب الثائر، أن يستكين ويستسلم لتنظيم الإخوان، وبعد القرضاوي، استقطب نظام الحمدين مواطناً إسرائيلياً، خدم في الكنيست، وأقسم على الولاء لدولة إسرائيل، وإياك أن تصدق أن إسرائيل ستقبل بعضو في الكنيست، ما لم يكن خالص الولاء لها، ودعك من حكايات الديمقراطية، أما إذا كنت تصدق أن عزمي بشارة كان مناضلاً من أجل القضية الفلسطينية، ويهمه أمر العالم العربي وأمنه واستقراره ورخائه، فيفترض ألا تكمل قراءة هذا المقال. تلاعب هذان الرجلان بنظام الحمدين، كما يتلاعب الصبيان بالكرة، فتخصص القرضاوي بمخاطبة المتدينين في الشرق، وتخصص عزمي بمخاطبة الغرب، وفتحت قناة الجزيرة أبوابها للقرضاوي، وائتمرت بأمره، يستقدم من يريد، ولا يهم إن كان المستقطَب متطرفاً، أو على قوائم الإرهاب، فالقرضاوي لا يرد له طلب، خصوصاً عندما يخطب في مسجده، وهو متكفن بالبياض، وفي ذات الوقت، تسلم عزمي ميزانيات بليونية، ليستقطب مرتزقة الشرق والغرب، ويفتح من القنوات التلفزيونية، والمواقع الإلكترونية ما يشاء، ولكلٍ ثمن، إذ لا يمكن أن يتساوى سعر البريطاني «الأصلي»، ديفيد هيرست، مع سعر البريطاني «التقليد»، فيصل القاسم، ولكن لا يهم، فالخزينة مليئة بالأصفر الرنان، وبدلاً من أن يتمكن القرضاوي وعزمي من تحقيق طموحات حمد بن خليفة بحكم العالم العربي، أورداه التهلكة، فأصبح مخنوقاً، تحميه قوات أجنبية تطمع في بلاده، وهو ينتظر انتصار تنظيم الحوثي على تحالف الشرعية في اليمن، وكلما رأيت حمد، أتذكر زميلي الأمريكي «الذي يحث الخطى دوماً للذهاب إلى اللامكان»!.