صدرت حديثاً دراسة «قطر.. الكتاب الأسود» الصادرة عن المركز العربي الأوروبي لمكافحة التطرف في باريس حيث وثقت الدراسة إنشاء قطر للكيانات الإرهابية ومحاولة ضرب مؤسسة الأزهر بتكوين «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» باستخدام يوسف القرضاوي وأذرع إعلامية وحقوقية بدول أجنبية وعربية مشترين بالأموال. وتقول الدراسة: «الدوحة بارعة فى إدارة سياسة المتناقضات بفتحها اتصالات مع إسرائيل وحماس في آن واحد، كما أنها وعندما كانت تبث تسجيلاً صوتياً لأسامة بن لادن زعيم القاعدة كانت تعرض التسجيل على السفارة الأميركية بالدوحة أولاً!». وهنا الحلقة الأولى من الدراسة التي تتحدث بالتفصيل، عن الانقلاب الأبيض في الأسرة الحاكمة، وما تلاه من ظهور المشروع الإرهابي الأكبر «قناة الجزيرة»، وتعاون الحمدين مع إسرائيل، وتغلغل تعاليم الإخوان بقيادة القرضاوي وجماعته في القطاع التعليمي والأمني والإداري في قطر. أعوان الإخوان والقرضاوي سيطروا على "الجزيرة" لبدء تنفيذ مخطط الدوحة وتوضح الدراسة أن «قناة الجزيرة» كانت أول مشروع قطري يتجاوز الحدود، واقتنص أمير قطر فرصة القرار البريطاني بإغلاق قناة البي بي سي العربية وقتها، بحمل الفريق المدرب والمعد إلى الدوحة، الأمر الذي سمح لقطر بدخول ثورة الإتصالات عبر فضائية إخبارية محترفة بوقت مبكر. ووضع الحمدان (ابن خليفة وابن جاسم) سياسة انفتاح إعلامية تقدم كل الضمانات للطرفين الإسرائيلي والأميركي وتفتح الباب لآراء عربية احتجاجية ومعارضة، لم يكن لها أي متنفس إعلامي في العالم العربي وقتئذ، وفي المقابل، كانت قناة الجزيرة أول قناة عربية تستقبل معلقين وصحفيين وسياسيين إسرائيليين، وأصبحت قناة الجزيرة خلال الخمسة أعوام الأولى من ولادتها قناة تملك جمهوراً واسعاً في غياب تجارب مشابهة، ومحدودية تأثيرها. وأضافت الدراسة: تمكن المدير العام الأول للجزيرة (2003 - 1996) محمد جاسم العلي، من تحقيق نجاحات كثيرة عبر التعدد المذهبي والديني والسياسي للفريق الصحفي الذي اعتمد عليه وفتح الباب للتيارات القومية والليبرالية والإسلامية، إلا أن صعود تأثير يوسف القرضاوي والإخوان على الأمير وتغلغلهم في أجهزة التعليم والأمن والإدارة في قطر انعكس مباشرة على القناة وبات من الضروري وضع اليد مباشرة على مشروع الجزيرة باسم «التجديد»، وجرى ذلك عبر اختيار حمد بن خليفة لصحفي إسلامي من حماس، متواضع السيرة الصحفية، تدرب في معهد أقامه حسن الترابي في السودان لإعداد الكوادر الإسلامية الإعلامية، وكان حديث عهد بتجربة الجزيرة عند اختياره، توافق ذلك مع التحضيرات القطرية الإخوانية لإعلان «المجلس العالمي لعلماء المسلمين» برئاسة القرضاوي ومقره قطر (أعلن رسمياً في 2004). وبعد أن كانت نجاحات الجزيرة تتلخص في الفضاء التعددي الذي تسمح به، وكونها قناة التعريف ببيانات القاعدة وأسامة بن لادن (بعد مرور كل أشرطته على السفارة الأميركية في الدوحة لأخذ الموافقة على بثها)، بدأت عملية أخونة القناة والتحضير لدور وظيفي لها ضمن التغييرات التي تبعت الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق، ولطمأنة الجانب الإسرائيلي، نظمت الخارجية القطرية زيارة لتسيفي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، إلى مقر قناة الجزيرة وطلبت من مديرها العام وضاح خنفر، أن يستقبلها بنفسه ويعطيها فكرة عن استديوهاتها. الجزيرة في «العصر الخنفري»، كانت في الواقع بإشراف قرضاوي وإخواني منظم، ووصفت الصحفية «لينا زهر الدين» في كتابها «الجزيرة».. ليست نهاية المشوار، بيسان للنشر، بيروت، 2011، ص 75 وما بعدها)، عملية وضع اليد عليها من إقصاء سكرتاريا المدير السابق ثم طردها، تفتيت خلية النحل التي تشكلها غرفة الأخبار، حملة تعيينات شملت المتشددين مع تعزيز التيار الإخواني الموجود أصلاً ولو بشكل مستتر في القناة، إلى إبعاد أو تهميش كل من لا يمكن وضعه في القالب الجديد. تتابع الدراسة مع الصعود القوي لقناة الجزيرة ثم أخونتها، وإعلان «المجلس العالمي لعلماء المسلمين» في الدوحة وتحت سيطرتها، والارتفاع الهائل في عوائد استثمار النفط والغاز في قطر، ووصول حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان للسلطة في تركيا، تملك الأمير حمد بن خليفة الشعور بأنه قد امتلك الثالوث المقدس الذي يجعل منه لاعباً إقليمياً مركزياً: (السلطان، المال، الدين)، لم يكن حمد بن خليفة وحليفه الأساسي حمد بن جاسم متدينين، ولكن بالنسبة لهما، «الصحوة الإسلامية» تعيش عقدها الثالث وهي تستقطب بتياريها السلفي الجهادي والإخواني التقليدي قطاعات مهمة من المجتمع، وهي بأمس الحاجة لمال الإمارة والغطاء السياسي، وكون الحركة حلت نفسها في قطر منذ 1999 لأن قطر، حسب الإخوان، تتوفر فيها شروط «الحاكمية» ويقام فيها «شرع الله» وهي أرض الملاذ وأهم مصادر بيت المال «الخزنة» (؟) فلا حاجة إلا لاستثمار أميرها وخيراتها لصالح الحركة، إلا أن هذا الدعم المالي يستتبع الولاء أو على الأقل الارتهان لأمير ليس من طموحاته أن يصبح أمير المؤمنين بقدر ما يطمح لأن يصبح الرقم الصعب في الخليج العربي، هذه المنطقة الاستراتيجية في النظام العالمي منذ انتزاعها مكانة حساسة في الاقتصاد العالمي عبر ثرواتها النفطية والغازية. تواصل الدراسة النزعة المذهبية التي حملها الإخوان لقناة الجزيرة وإبعاد صحفيات وصحفيين شاركوا في صناعة صورتها والتوظيف السريع للقناة من قبل الإخوان المسلمين، مع صعود محطات تلفزيونية أخرى أدى كل هذا إلى هبوط سريع في شعبية شبكة الجزيرة. وبعد أن حاول الأمير تقديم نفسه مع حمد بن جاسم كطرف وساطة في الأزمات ومقرب بين أطراف الصرع في أكثر من قضية (كلبنان ودارفور)، واستقدامه عضو الكنيست الإسرائيلي السابق عزمي بشارة ووضع ميزانية هائلة تحت تصرفه لرفع صورة «الأمير الإخواني» عن نفسه، عبر إعطاء دور مهم لعربي من فلسطين، مسيحي الديانة، قومي النزعة شعبوي التوجه، فإن الدور القطري كان يتعثر، وصار يعتمد أكثر فأكثر على شراء السياسيين وتوظيف الحركات المسلحة وبناء لوبي يدافع عن قطر في الغرب، وشراء العقارات والسلاح من الغرب إلى آخره.