لا أحب التصنيفات، ومن بينها «النسوية». وقد عايشت - وما زلت أعايش - منذ ولدت موقع الشباب المتأزم في معادلة المجتمع الخاص, وأتعاطف معهم، وبخاصة الإناث. كنت (حظيظة) بأن الله أكرمني بوالدين متفهمين، زرعا فيّ بذرة الثقة بقدراتي الفردية، وحرية القرار، مع النصح والتوجيه، واشتراط أن عليّ أن أتحمل مسؤوليتي عن خياراتي. وكنت (حظيظة) أن تخصصي فتح لي آفاق العمل في مجال حيوي غير مرتبط بشرط الجنس. و(حظيظة) أنني وجدت احترامًا وتقديرًا من معظم من عملت معهم في مسيرتي المهنية. ولكن معاناة الغير ممن لم يحظوا بإيجابية الظروف المواتية في الطفولة نفسها, وكذلك تجربتي المهنية مع بعض الرؤساء من الجنسين, ومن وجنسيات شتى, ممن مارسوا النظرة التقليدية المهمشة للأنثى وللقدرات الفردية, أقنعتني بأننا لا نعيش مجتمعًا فاضلاً في أي بلد, وأنها معاناة تحطم معظم الشباب، وتفقدهم حماسهم، وتحرم المجتمع من مواهبهم, وأن رفعها عنهم يجب أن تكون له أولوية بين الأهداف المحورية لكل محاولة لبناء المجتمع الأفضل. ثم يجب ألا يدفعنا التحيز للشباب لإقصاء ذوي الخبرة. وجدت أن الإسهام في بناء المجتمع، وتقويته بالتوعية وتقديم النصح والمقترحات للجهات المعنية بالتخطيط الشامل، ودعم القدرات للشباب من الداخل، أجدى مردودًا وأهم من استجداء العون من جهات خارجية تحت صخب الإعلام؛ فقد أقنعتني الدراسة خارج الوطن أن لا اهتمام من جهة خارجية إلا وله ثمن معلن أو غير معلن، وأجندة خاصة تخدم مصالح تلك الجهة. ومثلما لم تغرني الأضواء والدعوات التي انهالت عليّ أن أحول قدراتي الفكرية والتعبيرية إلى صخب «داعية» بعدما دخلت إلى عالم الكتابة, لم أجد البديل الأوسع أفقًا في مظلة «ناشطة». وأثبتت لي متابعة الأحداث نصيحة والدي - رحمه الله -: «الاستجابة لإغواء الغير لا تثمر إلا التلوث»، وأن الحرية الحقيقية هي التعامل مع بناء الوطن كمتخصص ماهر، يبني لنفسه بإخلاص تام وشغف.. وليس كمقاول لأي جهة داخلية أو خارجية. الداعي للتفاؤل الآن أن مستجدات الوعي والرؤية الرسمية تتفق على حتمية التحول، وفتح أبواب التدريب والعمل الشريف للجنسين, وتمكين المرأة، ومنحها كل حقوق المواطنة، وتحميلها كل مسؤولياتها, وتجريم استغلالها وحرمانها من حقوقها الشرعية, ومعاقبة أي فعل يهينها؛ من ذلك التحسن الواضح في تعامل مؤسسات القضاء مع المرأة في القضايا الأسرية كالنفقة, واستغلال الولاية, ومؤخرًا سّن نظام معاقبة التحرش. ويظل للممنوعات إغواؤها. وتغيير الممارسة لا يتم إلا بتفعيل القانون الرسمي بشأنها، وتوضيح الإجراءات وعقوبات عدم التنفيذ, وتطبيقها على كل مخالف بلا استثناء. أتفاءل أننا نعايش الآن حيوية توجُّه إيجابي, مفعلة ومحفزة برؤية التحول، خاصة مبادرات الجهات الرسمية القضائية والاستثمارية في رؤية تقوم على التوازن بين خطط الاستثمار للإثمار والتوفير. والاستثمار مفهوم واضح, ولكن التوفير لا يعني مجرد شد الأحزمة, بل الأحرى أنه منع للهدر، وحماية للثروة من التسرب في فجوات الفساد الفردي, والتحيز الفئوي.. ومن بينها ثروة طاقات كل الأفراد والفئات, الشبابية الطموحة, والمخضرمة ذات الخبرة. نحتاج إليها كلها؛ تنجز معًا في تكامل أكثر توفيرًا، وأسرع إثمارًا، وأحسن توازنًا.