يسألني بعض المتابعين ببراءة أحيانا وبتماكر مقصود أحيانا أخرى : لماذا لا تكتبين عن المسألة الفلانية ؟؟ أو العلانية ؟؟ لماذا لم تكتبي عن شبيحة سوريا وإخوان مصر أو يافطات البحرين, أو «إخواننا» في الأحواز أو أولادنا « البدون». هم في حالة البراءة لا يدرون عن الخط الأحمر الذي يتعثر من يحاول القفز فوقه أو الحبل الرقيق الذي يحاول الكاتب التوازن فوقه ومن لا يحسن التوازن قد يدق « عنق قلمه» إن لم يكن قلبه. وهو في حالات الخبث من المترصدين المتوجسين من تأثير القلم الصادق, سؤال مقصود به التشتيت والتشكيك والتعجيز. وبغض النظر عن السلامة الشخصية وما يسمح به أويرفضه القلم الأحمر لمحتوى المقالات, أؤمن بمسؤولية الكتابة أمام الله قبل القارئ والمستفيد. وأن الكاتب الصادق لايكتب إلا برؤيته هو لما يستحق التناول خارج إطار التصفيق منه وله. و أفخر بأن بين المتابعين لهذه المقالات أفرادا مهمين جدا في صناعة القرار لا يمكنني أن أحول علاقة الاحترام التي وشحوا بها قلمي إلى علاقة انتهازية تصفيق أو تطبيل مفرغ. أصر أن أشيد بما يستحق الإشادة و أصمت حين الصمت ليس علامة الرضى واللبيب دائما بالإشارة يفهم. ولهم جميعا وهم يعرفون أنفسهم التقدير والاحترام. وما لا أستطيع أن أتجنب الكتابة فيه أو بحث جوانب تداعياته هو موضوع المستجدات حول موقع المرأة من معادلة المجتمع وصنع القرار. وهو قرار ظللت وما زلت أهيب به أن يكون دائما حاسما حازما, ومع الحق الإنساني لا مع الضغط البشري الفئوي؛ فحقوق المرأة كإنسان و كمواطنة مسألة لا يمكن تجنبها في أي تساؤل يطفح عند التقاء مستجداتنا بتناقضاتنا في حواراتنا مع الآخرين, و سجالاتنا الممضة داخليا وحتى أسريا. من هنا حين سألني أحدهم برأيك من تظنين أنه المسؤول الحقيقي عن تجريد المرأة من مثل هذه الحقوق ؟ قلت صادقة أتصور أن المسؤول الأول هو الخوف الفطري من الجديد والتغيير والرغبة في الاحتفاظ بموقع مريح. المجتمع التقليدي كان سابقا يحترم المرأة فعلا في كل الأدوار, ولكن في مجتمع مابعد الطفرة الاقتصادية, وتسارع العلاقات العولمية, وثورة الاتصال والإعلام أي منذ الثمانينيات, أمست المرأة الحلقة الأضعف في التفاعلات الاجتماعية المتسمة بالتوتر خوفا على الأنثى وخوفا من تأثيرها. صحيح أن مجتمع الجزيرة ما عدا السواحل والمناطق الحدودية ظل مغلقا أمام التأثر بالتغيرات في العالم حتى عهد قريب لا يتعدى نصف قرن. و لكن المرأة في الصحراء لم تفقد الحرية و لا الاحترام. ولكن الأوضاع تغيرت, تصاعد صخب المتشددين وضغوطهم منذ الثمانينيات,مستغلا هذا الخوف الطبيعي ليحولوه إلى تبرير مشرعن لفرض باب «سد الذرائع», باعتبار أن «التغيير» يعني التأثر بالغرب, والتعرض لكل ما مر به المجتمع الغربي من «تحرر» المرأة وخروجها عن المنزل وطاعة الرجل والتخلي عن «دورها الأسري» وهو أمر غير مرغوب فيه في مجتمع أبوي السمات. بالتالي اختزلت المرأة إلى قاصر تحت الوصاية المجتمعية المشددة التي تعتبرها غير ذات أهلية أو قدرة على حماية نفسها لو خرجت من حماية المنزل إلى غابة الشارع ومعمعة العمل الوظيفي! (ولو هنا تفتح باب الشيطان, والشيطان في تفاصيل مفترضة على أنها الواقع!). الوضع الآن يتغير مرة أخرى وبوضوح، حيث تتساوى أعداد الخريجات الجامعيات بأعداد الخريجين أو تزيد. والحالة الاقتصادية الضاغطة تدفع إلى تقبل مشاركة المرأة في دعم الأسرة اقتصاديا. أجل بقدر ما أتفهم ضغوط فئات المجتمع و انحصارات رؤية البعض في توجسات مصالحهم الفردية و الفئوية, تهمني أولا قضايا الوطن والإنسان, ويهمني القضاء على غبش الفوضى في تخير التفاصيل والتبريرات؛ لابد تراها يا قارئي- خاصة صانع القرار- في إطار غير متحيز التقييم. ويهمني أكثر أن تأتي فحوى القرارات تخدم المستقبل برؤية واضحة لاحتياجات جيل الشباب والنشء القادم.. من الجنسين. جيل الحوار المفتوح على مصراعيه يطل الآن على فحوى حوارات العالم و لا يمكن « تحصينه» ضد اللغط إلا ببناء وعيه وقدرته على استيعاب تفاصيل الحقيقة كما هي لا كما تقدم له. ويهمني جدا في إصراري على «غد الإثمار و الاستقرار» ألايرتهن الشباب ويرهبهم صخب «الخطابيات» الملتبسة بقصر النظر أو أنانية القصد, حين يعلو فقط ليعرقل الرؤية الصحيحة المركزة على المستقبل في مواجهة «المستجدات».