منذ فترة اتصل بي صديق وكان يدير شركة معروفة وقال: «أريدك أن تعرف أنني تركت إدارة الشركة، وأنا الآن سأتفرغ لبعض الوقت, ولكن إذا توفر وظيفة مناسبة فأرجو أن تتذكر أني قلت لك هذا»، مرت شهور على هذا الكلام ولم يتوفر لدي ما يناسب تطلعات ذلك الصديق، ومنذ أيام اتصل بي وقال: «يبدو, أنك نسيت كلامي!»، طبعاً لم أنس كلامه، ولكن خلال العامين الماضيين حدث قلة طلب في سوق توظيف القيادات الإدارية، وأنا لا أشتغل بغيرها، ونتيجة لدخول عدد كبير من الشركات الاستشارية الأجنبية التي يديرها أجانب يجهلون سوق العمل السعودي خصوصاً في جانب (الكفاءات القيادية)، وحيث تولت بعض من هذه الشركات الاستشارية بحكم توليها عمليات التنظيم والتأسيس عملية اختيار قيادات الشركات والأعمال الجديدة، فقد عمد استشاريوها، إلى زملائهم أو عملائهم في (دبي)، حيث معظم مكاتب التوظيف الأجنبية التي تعيش على السوق السعودية، ومعظم مكاتب التوظيف الأجنبية في (دبي) تعتمد على قواعد المعلومات الإلكترونية أو (شبكة المعارف)، لذا يصبح نطاق بحثها عن الكفاءات محدودة بتلك المصادر. جاهدت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية من أجل توطين عملية التوظيف، وحصرها بمكاتب ترخصها بمسمى (مكاتب التوظيف الأهلية) وتشترط لذلك الترخيص أن يكون صاحب المكتب المرخص سعودياً ومؤهلاً بالمعرفة والخبرة حتى يكون جديراً بالترخيص، وتشترط بالترخيص أن تحصر تلك المكاتب نشاطها في توظيف السعوديين فقط، حيث إن توظيف الأجانب من اختصاص مكاتب الاستقدام، ومع أن هذا التنظيم ممتاز لو روعي فيه حماية سوق التوظيف من التعديات من قبل غير المرخصين، حيث إن مكاتب التوظيف بدبي تستولي على حصة الأسد من سوق التوظيف السعودي، وليس ذلك بسبب جودة الخدمة بقدر ما تمنح تلك المكاتب عملاءها من غير أصحاب الأعمال تسهيلات وخدمات ولا تتوفر لدى المكاتب السعودية. كان على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، عندما اشترطت على مكاتب التوظيف السعودية شروطها أن تحمي مصالح تلك المكاتب في حث شركات ومؤسسات قطاعات التجارة والصناعة في المملكة على حصر نشاطاتها بمكاتب التوظيف السعودية ومجازات من يخالف ذلك، بل إن هناك أمراً أدهى، وعلى الهيئة العامة للزكاة والدخل ملاحظة ذلك، فمعظم إن لم يكن كل عمليات التوظيف التي يقوم بها مكاتب استشارية في (دبي) أو يقوم بها أفراد غير مرخصين لا يستقطع منها حق الدولة في (ضريبة الاستقطاع) وبذلك يقترف الاستشاري تهرباً من الضريبة ويساعده في ذلك صاحب العمل. مع العلم أن معظم الاستشاريين الذي يحضرون للعمل في عقود استشارية معظمهم لا يحمل رخصة عمل ولا إقامة نظامية. واقع سوق التوظيف في المملكة لا يخدم اختيار الأكفاء للوظائف القيادية خصوصاً، فمعظم الاختيار لا يتم بناء على معايير اختيار موثوقة ومعروفة أو معايير قياسية، حيث تلعب العلاقات الشخصية بذلك الدور الأكبر، ولذا لا يستغرب تكدس أصدقاء أو معارف أو فئة قبلية أو مناطقية وسيطرتهم على القيادة في شركة أو قطاع أو حتى جهاز حكومي، وربما لا يكون ذلك بقصد غير نبيل، بل إن معظم ذلك يتم بنية سليمة وقصد صادق ولكن، نظراً لكون من يتخذ مثل هذه القرارات محدوداً في (شبكة علاقاته الشخصية)، لذا لا يتاح له خيار خارج تلك الشبكة أو من خلالها، ولذا يمكن بسهولة معرفة من يتخذ قرارات التوظيف في شركة أو قطاع بمجرد معرفة خلفيات آخر موظفين تم تعيينهم في وظائف قيادية. ذكرت في مقال لم ينشر بهذه الجريدة، أن على وزارة العمل التركيز في معالجة اختلالات سوق العمل ومن أهم هذه الاختلات هو ضعف جودة التوظيف بصورة تكاد تكون عامة في جميع القطاعات، وما تدني أداء بعض الشركات إلا بسبب سوء التوظيف وخصوصاً في الوظائف القيادية وليس بسبب ندرة الكفاءات السعودية، ولذا على الوزارة التشديد على أن يكون من يتولى إدارة التوظيف في أي شركة هو سعودي مؤهل وقادر على حماية مصالح الشركة من خلال التوظيف الأجدر.