بلغني بعض الردود على مقالي الأسبوع الماضي (عمارة المساجد اجتماعياً)، فأثنى البعض على الفكرة وقال البعض إنهم سبقوا وناقشوا الفكرة في مقالات سابقة والبعض ذكر لي أن مساجد في مناطق مختلفة من المملكة تتمثل الدور الاجتماعي في نشاطاتها، ولكن استرعى اهتمامي تسأل أحدهم حول الحاجة لبعث دور للمرأة في المسجد طالما نحن نريد أن يكون المسجد مركزاً اجتماعياً، فقد نظرت في التاريخ الإسلامي بمجمله، فلم أجد للمرأة دورا حقيقيا في المسجد في أي عصر من عصور دولة الإسلام في أي بلد من بلدان المسلمين، حيث كان المسجد حيازة رجالية بامتياز، ولم تدخل المرأة في المسجد إلا لبعض الصلاوات وخصوصاً صلوات التراويح والقيام في رمضان، أما عدا ذلك فيكون لغرض عابر. الشرع لا يمنع المرأة من دخول المسجد أو البقاء فيه لأي غرض مشروع ويليق بالمسجد, بل أن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لعائشة وحفصة رضي الله عنهما، بالاعتكاف بالمسجد بعدما طلبتا ذلك، ويبدو أن هناك من كان يستكثر من الرجل حضور النساء للمسجد حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لذا ورد في الحديث (لا تمنعو إماء الله مساجد الله)، لذا فموقف الشرع من دخول المرأة المسجد في أي وقت هو مباح ومباح لها ممارسة النشاطات المشروعة والتي لا تقتصر على الرجال. دور المرأة في المجتمع دور محوري ويكاد يفوق دور الرجل حيث تكون تربية الأبناء ومراقبة سلوكياتهم وتوجيههم التوجيه السليم هي أهم واجبات الوالدين، فالمرأة سيدة البيت وحارسه والقائم على صلاحه والبيت أساس المجتمع الذي يمثله الحي في المدينة أو القرية، لذا يصبح للمرأة دور أكبر من دورها في البيت عندما يتعلق الأمر بتجانس الحي الاجتماعي وتواصله وتعميق الود بين الساكنين وتفعيل دور الجيرة الحسنة في إشاعة الأمن والطمأنينة. لما كان للمرأة دور مركزي في البيئة الاجتماعية للحي، وللمسجد دور حيوي في تجانس وتقارب أعضاء المجتمع في الحي، فلابد من تكامل بين دور المرأة الاجتماعية ودور المسجد يكون محصلته صياغة برامج ونشاطات وفعاليات تهدف إلى تحسين واقع الحي وتنميته تنمية اجتماعية تتمثل في تحسين البيئة الخدمية للحي من حيث حماية الممتلكات العامة والاهتمام بنظافة المرافق العامة وصيانتها وحسن استعمالها واستثمارها، إلى جانب تنشيط الحركة الاجتماعية حول المسجد مما يحد من المظاهر غير السليمة وغير الحضارية ويفتح المجال للتفاعل الاجتماعي بين الساكنين مما يحد من مخاطر استغلال الأطفال والمراهقين وحمايتهم من التضليل والتجنيد للأغراض فيما يضرهم كتوزيع أو استهلاك الممنوعات أو التأثر بأفكار الفئات الضالة. لذا أرجو أن تنظر وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية في وضع تنظيم بحيث يتكون في كل مسجد جمعية محلية تحصل على إعانة من الدولة ويقوم عليها مجتمع المسجد بحيث يدير هذه الجمعيات سيدات المجتمع، وبهذا يمكن في تفعيل كثير من رغبات السيدات في العمل الاجتماعي وتمكينهن من المساهمة في الإصلاح الاجتماعي والحماية الاجتماعية والتي أصبح المجتمع بحاجة ماسة لها لما يكتنف مجتمعات اليوم من مخاطر ومن تزايد أخطار انتشار الممنوعات وخصوصاً المخدرات وكذلك الحاجة لتحصين النشء من التأثر بالتوجهات الفكرية الضالة. هذا الأمر سيكون عائده النفعي على البلاد لا يقدر بثمن ولا يكلف الدولة أكثر مما يكلفها غياب مثل هذه الجمعيات، نرجو الله الصلاح لمجتمعاتنا وحسن إدارتها وتنميتها.