تنعقد القمة العربية في المنطقة الشرقية المطلة على الخليج العربي؛ وتحديدا في مدينة «الظهران» في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء». قد يكون لانعقاد القمة في الظهران دلالات مختلفة؛ وإن لم تكن مستهدفة بالتخطيط المسبق؛ وأول تلك الدلالات ربط القمة بمركز «إثراء» المتوشح باسم موحد المملكة الملك عبدالعزيز؛ طيب الله ثراه؛ وكأنما أريد للمركز أن يذكر الزعماء بأهمية الوحدة؛ التي صنعت دولة عظيمة برغم اختلاف المكونات المجتمعية والثقافية؛ والطبيعة البشرية؛ والجغرافية؛ وإمكانية استنساخ ذلك العمل العظيم من خلال الوحدة العربية؛ وتحقيق متطلبات الأمن القومي؛ ونبذ الخلافات؛ وتقديم المصالح القومية على المصالح الضيقة. ومن الدلالات المهمة عقد القمة في مدينة «الظهران» مدينة النفط والاقتصاد؛ والفكر التنموي والإنتاجية المرتبطة بأكبر شركات النفط العالمية؛ أرامكو السعودية. إشارة جميلة للاستثمار الأمثل للثروات الطبيعية؛ وتوجيهها للتنمية وبناء الإنسان والمكان وتكريس الأمن والاستقرار. قد يكون للموقع الجغرافي وإطلالة المنطقة الشرقية على الخليج العربي الكثير من المعاني العروبية الوحدوية؛ فهي أكثر مناطق المملكة المرتبطة بحدود مع الدول الخليجية والعربية الشقيقة. إطلالتها، مع الدول الخليجية الأخرى؛ على الخليج تؤكد عروبيته؛ ليس بالاسم فحسب بل وعروبية الضفة الغربية للخليج؛ التي مازالت الشعوب المنتشرة فيها؛ تعتز بعروبيتها وتبعيتها للجزيرة العربية لا البلاد الفارسية. دلالات مختلفة تحتاج إلى التمعن فيها من قبل المؤتمرين؛ بفئاتهم ومستوياتهم وانتماءاتهم المختلفة؛ ومحاولة التدبر فيها والاستفادة منها لتعزيز مقومات النجاح؛ وردم فجوات الخلاف؛ وتعزيز الوحدة العربية والأمن القومي؛ قاعدة التنمية والاقتصاد وبناء الأوطان. الأكيد أن انعقاد القمة العربية يأتي في وقت تواجه فيه دولها تحديات متنوعة وخطرة تهدد أمنها القومي وتؤثر في استقرارها واقتصادياتها؛ ومنها القضية الفلسطينية؛ والأزمات في سوريا وليبيا واليمن؛ والتدخلات الإيرانية والتركية في شؤون الدول العربية؛ ما يستوجب التعامل معها بشفافية مطلقة؛ ورؤية شمولية تأخذ في الاعتبار أهمية الأمن القومي ومصلحة الشعوب العربية قبل أنظمتها. قد يكون الشق الأمني الأكثر أهمية؛ بصفته القاعدة التي تبنى عليها البرامج التنموية والاقتصادية؛ والاتفاقيات الإستراتيجية؛ إلا أن ذلك لا يلغي أهمية الملفات الاقتصادية الواجب التعامل معها بفاعلية؛ بعيدا عن البيروقراطية والتسويف. الربط الكهربائي والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة ومنطقة التجارة الحرة والأمن الغذائي والمائي والتدفقات الاستثمارية من الملفات المعلقة التي تحتاج إلى اتخاذ قرارات حيالها؛ تمهيدا لتطبيقها على أرض الواقع. هناك آفاق رحبة للتعاون الاقتصادي العربي؛ إلا أن تدني الثقة في الأنظمة والتشريعات المطبقة في الدول العربية وعدم وجود الرؤية التنموية التي يفترض أن تطغى على المغامرات السياسية تعرقل آفاق التعاون وتحد من التدفقات الاستثمارية والمشروعات التنموية. التركيز على الجوانب الاقتصادية التنموية سيسهم في تعزيز مخرجات القمة؛ لما لتلك الجوانب من انعكاسات مباشرة على الشعوب؛ والإصلاحات الاقتصادية. مكافحة الإرهاب وتمويله؛ من أهم الملفات الواجب التعامل معها بحزم وشفافية مطلقة؛ وبما يضمن الالتزام التام بالقوانين الدولية؛ والتشريعات المالية الرامية لتجفيف منابع تمويل الإرهاب وقطع القنوات المستخدمة في تمرير الأموال القذرة. قد تستأثر قمة الظهران بأهمية بالغة؛ مقارنة بالقمم الأخرى؛ نظرا لما يحيط بالدول العربية من مخاطر وتحديات تهدد بقاء ووحدة بعضها؛ خلافا لما تتسبب به من تدمير ممنهج للمجتمعات العربية وتضييع لثرواتها الطبيعية وتعطيل لمقوماتها الاقتصادية. أختم بالتأكيد على أن الموقف العربي الموحد يحتاج إلى قيادة تتصف بالحكمة والنزاهة والقبول، وأن تدفع نحو السلام والتنمية وتصفية الأجواء العربية وتطهيرها من قضايا الخلاف المشتتة للجهود، وقد أثبتت الأيام أن السعودية خير من يقوم بهذا الدور الحساس؛ شريطة توفر حسن النوايا؛ والالتزام التام من قبل الدول الأخرى على تحقيق وحدة الصف والكلمة؛ بعيدا عن سياسات الفرقة والتحزب.