لماذا يرى السعوديون الشراكة السعودية الأمريكية مهمة، والعلاقات إستراتيجية مصيرية؟ هناك أسباب عديدة وليس سبباً واحداً، أول تلك الأسباب أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله- عندما اختار الشراكة الأمريكية في استخراج النفط كان بعيد النظر وراهن على تلك الدولة التي كانت لا تزال داخل حدودها، وهي بالنسبة له لم تكن استعمارية، ثم إنها بعيدة عن المنطقة على عكس بريطانيا وفرنسا. وما زاد العلاقة متانة هو أنها اختبرت في أوقات الشدائد فكانت صلبة قوية لم تكسرها أشد المنعطفات خطورة. السبب الآخر أنه منذ توقيع اتفاقية كوينسي بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي روزفلت والعلاقات بين البلدين واضحة ولم يعكر صفوها سوى اختلاف الدولتين بخصوص القضية الفلسطينية، لم تتعكر العلاقات السعودية الأمريكية قط بشأن موضوع ثنائي، وإنما كان مصدر التوتر دائماً هو قضية العرب والمسلمين الأولى؛ قضية فلسطين. وثالث الأسباب التي تجعل هذه العلاقات مهمة هو استفادة المنطقة منها، فالاستقرار الذي تحقق في السعودية ودول الخليج أسهمت فيه العلاقات السعودية الأمريكية إسهاما فعّالاً، كما أن دخول السعودية دولة وسيطاً في عدد من القضايا بين أمريكا وبعض دول المنطقة جنّب الأطراف الثلاثة مآزق جمة. وقضية لوكربي قديماً والعلاقات السودانية الأمريكية حديثاً دليلان على أن علاقات سعودية أمريكية متميزة تعني علاقات مستقرة في المحيط الإقليمي. ميزة العلاقة مع السعودية أنها واضحة تقول خلف الكواليس ما تقوله في العلن؛ وفي ذات الوقت الذي يلعن فيه بعض الساسة العرب أمريكا في العلن فإنهم خلف الكواليس يتسوّلون رضاءها ومساعداتها. الرئيس السوري الراحل حافظ أسد على سبيل المثال كان على استعداد لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل برعاية أمريكية قبل الاتفاقية الثنائية التي وقّعت في كامب ديفد في سبتمبر 1978م بين مصر وإسرائيل، وكانت المفاوضات وقادها من الجانب الأمريكي هنري كيسنجر وكانت سوريا جاهزة للتوقيع، لكن الإدارة الأمريكية وقعت مع مصر وتركت سوريا فكانت ردة الفعل عنيفة تصادفت مع قيام الثورة في إيران التي أعلنت العداء لأمريكا فكانت فرصة للرئيس الأسد للثأر من أمريكا بالتحالف مع ولاية الفقيه. لماذا أصبحت العلاقة مع أمريكا عار تتهم به السعودية؟ السبب الأول أن تلك العلاقة حرمت بعض الدول من مجرد التفكير في المساس بالأمن الوطني السعودي، والثاني أن الغيرة لعبت دوراً مهماً في الحط من قدر تلك العلاقة ووصفها بالتبعية. ولكن هل كان الشامتون بتلك العلاقة صادقون في توجهاتهم ضد أمريكا؟ الجواب بالطبع نفي، فقد كان أولئك الزعماء الثوريون يشتمون أمريكا لإلهاب مشاعر الجماهير ثم يقصدون السعودية ليلاً يطلبون منها الوساطة عند الأمريكيين. الهدف الذي أراد الناقمون على العلاقات السعودية الأمريكية تحقيقه كان الوقيعة بين البلدين ليكون مصير السعودية كفنزويلا وليبيا وكوبا وكوريا الشمالية وإيران الثورة. يريدون من السعودية أن تصادم هذه القوة العظمى لتتحطم البلاد من قوة الاصطدام بالصخرة الأمريكية. لقد كان هناك نوايا سيئة ضد هذه البلاد، ومن لم يجرؤ على دق الإسفين فإنه تمنى أن ترتكب السعودية خطأ يجعلها ضحية لقرار سياسي أحمق ضد أمريكا. هناك مستفيدون من ضرب الصديقين ببعضهما. دول وجماعات توقّعت أن أحداث 11 سبتمبر 2001م هي النهاية لهذه العلاقات التاريخية، لكنهم اليوم يرون الأمر على العكس تماماً وهم يراقبون بحسرة نتائج زيارة الأمير محمد بن سلمان لأمريكا ويسمعون كلام الرئيس الأمريكي عن الملك سلمان. زيارة الأمير محمد بن سلمان لأمريكا ليست عادية، بل سيكون انعكاسها واضحاً على البلدين والمنطقة. علينا أن نعرف أن الأمير محمد بن سلمان كما ورث الثراء من أسرته الحاكمة فإنه ورث الدهاء في القيادة من ذات الأسرة العريقة. وبذلك فإنه من السخف توقع أن التقارب السعودي الأمريكي اللافت إنما هو لأسباب شخصية.