عرفتُ الشاعر اللبناني لامع الحرّ منذ عشرين عاماً وصارت بيننا صداقة من النوع الحقيقيّ الذي لا مجاملات فيه ولا متطلبات سوى الاشتياق بدافع المحبة والمتابعة بغية الاطمئنان على الحال، بخاصة بعد أن أصبحت الأوضاع السياسية غير مشجعة لوجودي الذي كان شبه دائم في لبنان. ففي السنتين الأخيرتين، مثلاً، لم أزر لبنان سوى زيارتين سريعتين التقيته طبعاً فيهما ولكن بشكل مختلف، فهو قد عاد كما عرفته أول مرة مشرقاً متفائلاً بالحياة والحبّ من بعد فقدانهما زمنا ليس بالقصير.. لامع الحرّ الذي عرفته حين كان خارجاً من المعتقل الذي ألّف عنه وفيه كتابه (مهاجر إلى أنصار) كان متحمساً لكل شيء، ثم بعد وفاة زوجته الإعلامية الأديبة إلهام أبو مراد – رحمها الله – أصيب بحالة من الحزن والزهد تقترب به نحو الاكتئاب الذي كنتُ أخشاه عليه؛ غير أنني ابتهجتُ مؤخراً عندما علمتُ منه أن إلهام الشعر والعشق وحتى الحزن والألم الخلاّق لم ينقطع تماماً، فثمة أقدار إلهية تعيده لمن يستحقه ليبدع.. وقد أبدع لامع في السنتين الأخيرتين أربعة كتب، منها كتاب عن الشاعر الراحل سعيد عقل (آخر أمراء الشعر العربي) وديوان (وما أرسلناك إلا وردة للعاشقين) وقد كتبتُ عن الكتابين حين صدورهما قبل سنتين. الآن، في زيارتي الأخيرة والقصيرة جداً للبنان، سعدتُ برؤية صديقي العزيز لامع الحرّ مشرقاً ومقبلاً على الحياة والشعر والحب، ويتجلى ذلك في ديوانيه الأخيرين (ربّي زدني عشقاً) و (أنوثة يُداري نسغها الطوفان).. يقول في الأول: (وموجةُ هذا الخضمّ العظيم وسحر الجمال الذي صارع الخوفَ مثلي وأطفأ ما قد تشظّى بغيبِ الغرامِ من النار، والقنص، والفتح والغزوات أظنّ البعاد يخبئُ شوقاً يراقصُ نبضَ الشقاءْ ويصرع ما كان من أمنياتْ أظنّ البعاد ظلاماً تجلّى على وقع قهري ضياءْ تعالي لأحضنَ غصناً على حمرة الأفقِ يرجو اخضراري يقبّل ثغرَ القصيدةِ حيناً وحيناً يراوغُ حتى تبلِّل قلبي المصحّر قطرةُ ماءْ). أما في ديوانه الصادر أخيراً بعنوان (أنوثة يداري نسغها الطوفان) فهو يؤكد ما ذهبتُ إليه في العنوان من تجدد، مهما تكن الذكرى آخذة مكانها في أعمارنا السابقة واللاحقة: (هنا سوف يبدأ شوقي الكلام على زمنٍ ضاع قبل هبوب الرياح وقبل انغماسي بحلم يصفق مثلي لسنبلةٍ في أقاصي الفراغ تخاطب وجه الفراغ البديل هنا سوف أجلس خلف السطور لعلي أواجه نيرَ الخراب وعلّي أداري زماني بنطفة ضوء تواكب هذا الظلام الطويل وتوغل في البعد حتى تراني زماناً يؤاخي عذاب الرحيل كأنّ الرحيل يساكن نفسي ويسرق مني فؤادي العليل ويتركني غيمة في الفضاء تظلل روح الجمال وتطفئ شوقي إلى جذوةٍ سوف تأتي على متن عمرٍ يكلّل نايي الحزين). وبعد، فلامع الحرّ الذي كتب في إهداء نسخة من ديوانه الأخير لي (الصديق العزيز في زمن عزّ الأصدقاء).. لا أجد ختاماً لمقالتي هذه عنه أفضل من وصفي له بالعزيز الوفيّ وسط أزمنةٍ عزّ فيها الوفاءُ للشعر والصداقة والحبّ والحياة. [email protected]