يساق بيت رؤبة بن العجاج هذا شاهدًا لجرّ الاسم بعد (بل)، وهي من المسائل التي أوردها د. عادل العيثان في كتابه (الإفراد والغرائب في الأشباه والنظائر للسيوطي)(1) قال «بعد هذه المسألة انتقل السيوطي إلى مسألة أخرى في باب العطف نفسه، عرض فيها ما ذهب إليه صاحب الأزهرية من أن (بل) تأتي حرف جر، وعقب عليه بما نصه (ووهَّمه أبو حيان وابن هشام وغيرهما، فقد نقل ابن مالك وابن عصفور اتفاق النحويين على خلافه)»(2). وقال «ولا ندري من صاحب الأزهرية؟ إذ يحتمل أن يكون الشيخ خالد الأزهري (ت905ه) الذي ألف (المقدمة الأزهرية في علم العربية)، ويكون المقصود بتوهيم أبي حيان وابن هشام وغيرهما هو توهيم الرأي لا توهيم الشخص؛ لأن الشيخ خالد لم يكن معاصرًا ولا سابقًا لهم، إلا أن ذلك الاحتمال بعيد جدًّا؛ لأن الشيخ خالد نفسه لم يعرف عنه هذا الرأي لا في المقدمة الأزهرية ولا في شرح التصريح، هذا إلى أن الرأي المذكور كان ظاهرًا قبل عصر الشيخ خالد، فقد صرح أبو علي الفارسي بأنه-أي الجر ب(بل) - لا يعلم أحداً به اعتداد يقوله»(3). وكان حريًّا بالباحث وقد أشكل عليه الأمر أن يستعرض كتب حروف المعاني، وأن لو فعل لوجد أن الكتاب المقصود هو كتاب (الأزهيّة) للهروي (ت 415ه)، والذي أضل الباحث اعتماده على نسخة من الأشباه والنظائر مسكوت عن تحقيقها، وهي التي بتحقيق عبدالعال سالم مكرم، وهو محقق غير مدقق. ولو أنه اعتمد النسخة التي نشرها مجمع اللغة العربية بدمشق لاستقام الأمر ولزال الإشكال، وهذا النصّ كما ورد في تلك النشرة «وذهب صاحب الأُزهيَّة إلى أنَّ (بل) تكون حرف جرّ، ووهّمه أبو حيّان وابن هشام وغيرهما»(4). وقد علق المحقق في الحاشية بقوله «ه: (الأزهرية) تحريف. وانظر الأزهية: 228»(5). ولو رجع الباحث إلى النسخة المحققة لأمكنه ذلك من مراجعة قول الهروي نفسه، قال «وتَكُونُ بمعنى (رُبَّ) فَتَخْفِضُ ما بَعْدَهَا كَقَوْلِكَ: (بلْ بلدٍ دَخَلْتُهُ) تُرِيدُ: رُبَّ بَلدٍ دَخَلْتُهُ»(6)، وليس نص الهروي صريحًا في عدّ (بل) حرف جرّ، وليس الهروي أول من قال بذلك، إذ نجد أنّ السيرافي (ت 368 ه) قال «وقولهم: بل بلد ذي صعد وأضباب ونحو ذلك في معنى (ربّ)، جعلوا (الواو) و(بل) و(الفاء) بدلا من المحذوف، وهو (ربّ)، وكذلك الفاء والواو و(أو) عوض من المحذوف»(7). وقول الهروي قريب من قول ابن خالويه (ت 370ه) «وتكون بمعنى (ربّ) فيخفض بها كقولك: بل بلد جاوزته، معناه رب بلد جاوزته»(8). ومعنى ذلك أن الهروي ليس مبتدعًا بل متبعٌ غيره، فالأحرى أن يكون توقف أبي حيان وابن هشام في قول من سبقه إن كانا توقفا حقًّا في ذلك؛ إذ لا نجد في تراث الرجلين المنشور نسبة القول إلى الهروي، ولم يبق سوى الاحتمال الآخر الذي ذكره الباحث آنفًا وهو قوله «ويكون المقصود بتوهيم أبي حيان وابن هشام وغيرهما هو توهيم الرأي لا توهيم الشخص»، وأحسب اللبس كان لصياغة السيوطي، ولعل ذلك يزول إن عدّلت عبارته لتكون «وذهب صاحب الأُزهيَّة إلى أنَّ (بل) تكون حرف جرّ. ووهّم كونها حرف جرّ أبو حيّان وابن هشام وغيرهما». ... ... ... (1) عادل بن معتوق العيثان، الإفراد والغرائب في الأشباه والنظائر للسيوطي (مركز بحوث كلية الآداب بجامعة الملك سعود/ الرياض، 2010م). (2) العيثان، الإفراد والغرائب، ص 73-74. (3) العيثان، الإفراد والغرائب، ص 74. (4) جلال الدين عبدالرحمن السيوطي، الأشباه والنظائر في النحو، تحقيق: إبراهيم محمد عبدالله، 1987م، 3: 15. (5) السيوطي، الأشباه والنظائر، 3: 15. (6) علي بن محمد النحوي الهروي، كتاب الأُزهيَّة في علم الحروف، تحقيق: عبدالمعين الملوحي (مجمع اللغة العربية/ دمشق، 1990م) ص 219. (7) أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن المرزبان، شرح كتاب سيبويه، تحقيق: أحمد حسن مهدلي، علي سيد علي (ط1، دار الكتب العلمية/ بيروت، 2008م،1: 40. (8) أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم (مطبعة دار الكتب المصرية/ القاهرة، 1941م) ص62.