مما دعاني لكتابة هذا المقال ما يتناقله بعض أهالي محافظة مرات من نسبة بئر (الوليدي) الموجودة في البلدة القديمة بالمحافظة إلى الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، وأنه أمر بحفرها عند مروره بمرات إبان حروب الردة! بل تعدى ذلك إلى القول بعسكرة خالد وجيشه في مرات كما ذكر الأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي متحدثاً عن بئر الوليدي: «مكانها في بلدة مرات القديمة، يسميها الأهالي (بئر الوليدي) نسبة إلى الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه... وذُكر أن خالد بن الوليد نزل في مرات أيام حروب الردة وكان متجهاً بجيشه إلى اليمامة لمحاربة المرتدين ومسيلمة الكذاب، فعسكر فيها وقتاً من الزمن كي تتجمع جيوشه، حيث وجد في ماء (غدير كميت) ما يجعله يستقر ويسقون خيولهم ويشربون منها، ولكن ماء الغدير شح عليهم وأوشك على الانتهاء؛ للكثرة العددية للجيوش الموجودة في مرات، فأمر رجاله بحفر هذه البئر، وتم ذلك في وقته، وقد ذكر الحموي في كتابة معجم البلدان مرور خالد بن الوليد رضي الله عنه بمرات ... إلخ» اه (لمحات من تاريخ مرات ص616). ولا أدري ما مصدر هذا الكلام؟ هل هو الرواية الشفهية؟ أم أن هناك مصادر ومراجع تاريخية لا نعلمها! فإن كانت الرواية الشفهية، فهذا يحتاج إلى بحث وتدقيق؛ للتأكد من صحتها، فليس كل ما يقال يكتب. وفي تقديري أن القول بنسبة البئر لخالد بن الوليد غير صحيح ومبني على الظن المدفوع بعاطفة، وليس عليه أي دليل أو نص تاريخي، وترجيحي لذلك لعدة أسباب أذكرها بعد أن أسوق ما ذكره الحموي كاملاً عن بلدة مرات، لئلا يُظن أن ما تركته منه قد يكون دليلاً يُحتج به عليّ، قال الحموي عن بلدة مرات: «مَرْأةُ: بالفتح بلفظ المرأة من النساء، قرية بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم باليمامة سمّيت بشطر اسم امرئ القيس بينها وبين ذات غِسل مرحلة على طريق النباج، ولما قتل مسيلمة وصالح مُجّاعة خالداً على اليمامة، لم تدخل مرأة في الصلح فسُبي أهلها وسكنها حينئذ بنو امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم فعمروا ما والاها حتى غلبوا عليها «(معجم البلدان ج4 ص241)، لذا أقول: أولاً: إن نسبة البئر لخالد بن الوليد لا تصح لغة ولا اصطلاحا؛ً فهي منسوبة للأب (الوليد)، ولو كانت النسبة صحيحة لقلنا بئر (الخالدي) وليس (الوليدي) . ثانياً: ياقوت الحموي لم يُشر إلى مرور الصحابي خالد بمحافظة مرات فضلاً عن حفره للبئر، وهو أعلم بحال البلاد وأهلها آنذاك منا حينئذ، ولو كان الأمر كذلك لصرّح به لا سيّما وأن أحداث حروب الردة من الأحداث المهمة في تاريخ الإسلام عامة، وتاريخ الجزيرة العربية خاصة. ثالثاً: لو سلّمنا جدلاً بمرور خالد بن الوليد ونزوله فيها، لكان ذلك بعد الصلح؛ كون مرات لم تدخل فيه وبسبب ذلك سبي أهلها. رابعاً: كل الروايات التاريخية التي تكلمت عن حروب الردة لم تذكر أن خالداً رضي الله عنه عسكر بجيشه في مرات وحفر بئراً بها، ومما يدل صراحة على ذلك رواية الحموي نفسها من أن مرات لم تدخل في الصلح!! فكيف تكون استقبلته وسمحت له بأن يعسكر بجيشه ويحفر بئراً أيضاً؟ خامساً: المتأخرون من كبار المؤلفين في التاريخ والمعاجم الجغرافية أمثال: حمد الجاسر وعبدالله بن بليهد وسعد الجنيدل وعبدالله بن خميس -رحمهم الله جميعاً- لم يذكروا في مؤلفاتهم أن خالد بن الوليد مرَّ على مرات وحفر بئر بها! والقصد هنا أن القول بمرور خالد بن الوليد رضي الله عنه بمرات وأنه عسكر بجيشه فيها وحفر بئر (الوليدي) قول مستحدث ولا يصح أن مثل هذا القول يحتاج إلى دليل وتوثيق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «العلم شيئان: إما نقل مصدّق، وإما بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مسروق» (الاستغاثة في الرد على البكري ص628). وختاماً أقول لمن لا يزال متمسكاً بهذا القول: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .. ورحم الله الأستاذ حمد الجاسر حينما قال: (ما أكثر ما يكتب وما أقل ما يحقق) .. والله من وراء القصد،،، ** ** عبدالرحمن بن محمد زيد العرفج - ثرمداء