غدير كميت أو ما يسميه الأهالي في مرات (خبراء مرات) و (الجفرة) منهل مرات الذي لا ينضب طوال العام، اشتهر بعذوبة مائه وصفائه الذي جعل الشعراء قديماً وحديثاً يتغنون به لشهرته من جهة، ولتاريخه الثري وبنائه الهندسي العريق وعذوبة مائه من جهة أخرى.. يقع هذا الغدير شمال مرات القديمة، بجوار جبل كميت من جهة الجنوب، ويلتصق الغدير بسور البلدة القديم ويمر قربه طريق الحجاز العام، ويقام حوله سور خاص بارتفاع ثلاثة أمتار تقريباً، وله مقصورة أسفلها مدخل يسمى (الدّباب) من جهة البلدة له باب محكم بني بشكل هندسي جذاب وهي محاطة بأشجار الأثل المعمرة ولها مدخل للسيل في الجهة الشمالية يسمح فقط لدخول السيل منه ويطلق عليه اسم (مطاليع الجفرة)، ويعد غدير كميت منهل مرات العذب الذي كان يسقي المدينة منذ قرون عديدة، وهو أثر باق حتى اليوم، وتجتمع فيه مياه الأمطار ويحتفظ بها حتى موسم الأمطار التالي، ولذلك لم تكن مرات تعرف نقص المياه طيلة تاريخها، والعجيب في الأمر أن الماء يبقى لمدة عام دون أن يأسن أو يتغير طعمه أو لونه، بل يبقى على عذوبته، والسر في ذلك هو أن مياه الأمطار تجمع في طريقها الطمي، فإذا اختلط مع ماء الغدير فان الماء يبقى على صفائه ونقائه، حيث ينزل الطمي والطين الكميتي إلى أسفل الغدير، مما يكون طبقة عازلة تمنع تسرب الماء الى الأسفل، ولاتعيش الحشرات داخله، كمالا تنمو الحشائش والفطريات على جوانبه. التاريخ والنشأة لا يعرف بالتحديد زمن وجود هذا الغدير أو من حفره أو أمر بحفره، لكن ظل هذا الغدير منهلاً عذباً لعدة قرون، حيث يقول عنه مؤلف كتاب (مرات بلد امرئ القيس) الأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي إنه أثر قديم، وترجح الروايات بأن سبب حفر بئر "الوليدي" وهو البئر الذي أمر بحفره الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه ابان مروره بمرات أثناء حروب الردة متجهاً الى اليمامة كما هو موثق في كتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي، كان بسبب استهلاك الجيش لماء الغدير نظراً لكثرته مما دعا الى حفر البئر، وهذا مايدل على قدم هذا الأثر. الغدير في الشعر تغنى العديد من الشعراء بغدير كميت قديماً وحديثاً نظراً لما يتمتع به الغدير من منظر جذاب وعذوبة للماء وصفاءً ونقاءً، فهاهو الشاعر العربي القديم يقول عنه: فلما وردنا الماء ماء مجنة غدير كميت لاغدير الاناجل والاناجل تقع غرب مرات وماؤها ليس بالعذب كعذوبة ماء غدير كميت بل كان ماؤه أجاجاً. مدخل السيل الى الغدير (المزلف) وفي الشعر الشعبي يقول الشاعر عبدالرحمن بن رشيد: أنا هوايه مشرب بارد ماه من هجلة عنها كميت شمالي ياحلو مشربها ويابرد مرواه وعنها ابعدتني مغبرات الليالي ويقول الشاعر محمد بن ابراهيم الهويمل: ومنهل مرات العذب يوم الزمن قاس شرقي كميت الرمز ماهوب زايل خبرا مرات ومارد الخير للناس يا ما شفت من عدها كل سايل ..وغيرهم من الشعراء المعاصرين الذين يعدون بالعشرات. الموسى يتحدث عن الغدير وعن الذكريات القديمة عن الغدير يحدثنا أحد كبار السن ممن عاصروه حينما كان مورداً ومنهلاً عذباً للأهالي يستسقون منه، وهو الشيخ سليمان بن موسى الموسى، الذي قال إن الغدير كان ببنائه القديم غاية في دقة العمارة وروعة التصميم، فقد كان يضم سوراً ملاصقاً لسور مرات، وللغدير مدخل للسيل يسمى (المطاليع) يدخل منه سيل واديها وشعيبات جبل كميت، وقد بنيت هذه المطاليع بشكل هندسي بديع يدل على دقة أعمال البناء في ذلك الوقت، فقد جعلوا المطاليع ثلاثة صفوف من الحجارة بارتفاع أقل من متر، وهي متخالفة وقريبة من بعضها البعض تسمح بدخول الماء ولا تسمح بدخول أي متسلل أو حيوان مهما كان حجمه، وينزل الماء على الحجر المدرج الصغير المتعدد تسهل عملية انسياب الماء الى الغدير، وقد قاسوا ارتفاع المطاليع بما يناسبها من الجهة المقابلة من الباب الذي يدخل اليه أهل البلد للسقيا بحيث اذا وصل الماء الى أول درجة من درجات الباب صار الماء الفائض يذهب الى السبخة بمرات، كما كان للغدير مدخلاً جميل الشكل مسقوفاً بالحجارة يسمى (الدّباب) لايزال موجوداً حتى اليوم به بضع درجات تسمح بنزول من أراد أن يستقي بيسر وسهولة، فقد كانت النساء هن من يقمن بحمل الماء الى البيوت، وقد زرع حول الغدير أشجار الأثل وقد أوقفت على مسجد الركية قديماً وهو أقدم مساجد مرات، وفي جانبي سور الغدير أبراج صغيرة دائرية الشكل مدخل الغدير من جهة الديرة القديمة (الدّباب) غربي وشرقي يجلس بها حماة الغدير بها (زغاليل)، وهي فتحات صغيرة يخرج منها السلاح لصد أي عدوان على البلدة والغدير قيماً، كما كان للغدير (حماي) حارس يتولى حراسة الغدير من العابثين وهواة السباحة فيقوم بحمايتها منهم، وأذكر منهم عبدالعزيز بن هويمل. واختتم الموسى حديثه قائلاً إن الغدير كان يحظى باهتمام الأهالي جميعاً حيث تجد قديماً متطوعين يقومون بتنظيف الغدير وواديه قبل هطول الأمطار كل عام. العمالة تصيد سمك الغدير وبعد أن استغنى الأهالي عن السقيا من مياه الغدير واستعاضوا عن ذلك بمياه الشرب من مشروع المياه، قام أحد الأهالي باحضار سمك حي والقائه في الشيخ سليمان الموسى الغدير فتكاثر سريعاً، مما جعل العمالة تخصص اجازتها الأسبوعية يوم الجمعة لصيد الأسماك، فتجد معظم الزوار لهذا الأثر يستمتع بمنظر هؤلاء الصيادين وهم يقومون بصيد السمك. الاهتمام بالغدير وبعد استعراض هذه الذكريات عن هذا الموقع الأثري الهام، يحدو الأمل أهالي مرات بأن تقوم بلدية مرات بالعناية والاهتمام به، وذلك باعادة بناء سوره القديم بدلاً من السور الموجود حالياً، فقد قامت البلدية بهدم السور الطيني وبنت مكانه (اجتهاداً) سوراً حديثاً لايتناسب مع حجم هذا الأثر، إضافة إلى مطالب باعادة بناء مطاليع مدخل السيل و( المزلف) كما كان على سابق عهده. مدخل غدير كميت بعد ترميمه من قبل البلدية