استشهد بحب فطري خلده نشيد «الوطن» فأنشد بكلماته «الشعب» وشهدت له الحناجر ونشدت بحروفه الألسن وفاء وولاء وفداء..كتب المجد والعلياء للوطنية وسكب الحبر فخراً في كلمات «مضيئة» ظلت رمزاًَ يرافق «الخفاق الأخضر» وعزاً يحمل النور المسطّر فصدحت أبياته الوطنية في المناسبات... وتخلّدت عباراته بأعالي المنصات. شاعر تلحّف بالإنسانية وتوسّد موهبة متفانية جعلها «سراً لإبداعه» و»جهراً ًلحضوره «ظل عقوداً يرقب النجاحات ويحضر التتويج في خط النهايات حاضراً في الشعر والثقافة أديباً، حيث جودة الكلمة وأدباً إنسانياً عند أجادة «النص» ناضراً في مساحات الأفئدة التي عرفته «أباً في التعامل» «أبياً حين الطموح» إنه شاعر الوطن إبراهيم خفاجي - رحمه الله - الذي ترك وراءه «وطناً» من الشعر وارثاً من المشاعر. بوجه أليف سكنته علامات المشيب وتقاطعات الطيب وسحنة حنطيه أبويه فاخرة تزخر بالنضج وتفخر بالوهج وعينان لامعتان وملامح حجازية ومطامح مكاوية تنضح بالهدوء وتعج بالسمت والصمت حضر خفاجي شاعراً برتبة «رجل دولة» ومثقفاً بحلة «وطني حتى النخاع» ومواطناً صنع الفرح «كلمة» وبلور «البهجة» نصاً» وخلد «المجد « نشيداً. في مكة ولد وتوالدت معه «مواهب» ارتبطت بإرث الحجاز وتراث الاعتزاز فنشأ محباً للجميع قريباً من التعلّم متقارباً مع زملائه الذين كان يرافقهم وهو يردد الأهازيج الحجازية العتيقة.. فنشأ ملازماً لأسرة أسبغت عليه فضل التربية وأغدقت عليه بنبل التوجيه.. ظل طفلاً أنيساً يراقب جلسات «مركاز» الحي وهي تتناقل قصص الحجاج وأحاديث المعرفة ومعاني الثقافة. اكتمل الشعر بدراً في قلبه العامر بالموهبة المبكرة المعتمر بهبة الأدب فظل يحمل كشكولاً خاصاً بقصائده يتنقّل به في مدرسته ومنزل أسرته ومع أقرانه يسجّل فيه نصوص الشعر وشعور الثقافة. سيرة حافلة بالنماء العلمي والعطاء العملي، حيث درس خفاجي بمدرسة الفلاح بمكةالمكرمة ثم التحق بعد ذلك بمدرسة اللا سلكي وتخرَّج منها مأموراً لا سلكياً عام 1364ه وعمل بعدة مناطق ثم عاد لمحبوبته «مكةالمكرمة» ليعمل بقسم الأخبار وفي عام 1373ه انتقل للإذاعة ثم انتقل لقسم المحاسبة بوزارة الصحة موظفاً ثم رئيساً ثم وكيلا ً للإدارة المالية. وفي عام 1972م التحق بمعهد الإدارة بالقاهرة وحصل على دبلوم في إدارة الأعمال والإدارة المالية فأصبح مديراً للإدارة المالية بوزارة الزراعة لشؤون المياه بالرياض. وعاد لمكة مرة أخرى ليعين مفتشاً مركزياً لوزارة الزراعة والمياه بالمنطقة الغربية. وفي عام 1389ه طلب التقاعد بعد خدمة ربع قرن. كتب خفاجي -رحمه الله- النشيد الوطني وهو المعلم الرسمي المرافق لكل احتفالات الوطن ومحافل الحياة التعليمية وقد عكف على كتابة حوالي 6 أشهر بعد أن طلب منه أثناء زيارة للملك خالد -رحمه الله- لمصر وسلّمه في عهد الملك فهد -رحمه الله- لترافق كلماته موسيقى السلام الملكي وبدأ في البث التلفزيوني والإذاعي عام 1404 قبل 35 عاماً. ارتبط خفاجي بالشعر الغنائي، حيث غنى له محمد عبده العديد من الأغاني الشهيرة ومنها صبيا وما في داعي ولنا الله وأشوفك كل يوم وأروح وأنت محبوبي ومالي ومال الناس ومن العايدين ومن الفائزين ويا حبيبي آنستنا ولا تناظرني بعين وأنا المولع بها ولوكلفتني المحبة وظبي الجنوب وناعس الجفن وودع اليأس وغيرها. وغنى له الراحل طلال مداح -رحمه الله- العديد من الأغنيات ومن أشهرها تصدق ولا احلف لك ومر بي وتعداني وما سلم. كما تغنّى بكلماته عشرات الفنانين السعوديين والعرب وكان آخر إنتاجه الفني أوبريت (عرايس المملكة) عام 1416ه. خطبت منصات التكريم وأوسمة التميز ود خفاجي فنال ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى مع البراءة الخاصة بها عام 1405ه م من الملك فهد -رحمه الله- نظير كتابته النشيد الوطني وكرّم من قبل جامعة أم القرى وجمعية الثقافة والفنون بجدة والنادي الأدبي بمكة وإثنينية عبدالمقصود خوجة وحصد جائزة من هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C بي بي سي) كأفضل أغنية في أوائل السبعينيات الميلادية عن أغنيته (أشقر) وتم تكريمه عام 1433 بوسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى. ولقب بشاعر الهلال نظير قصيدة كتبها في ناديه المفضَّل. عقود طويلة قضاها خفاجي مشكلاً «رمزاً من رموز الفن والأدب والثقافة والشعر» باكتمال الإنتاج وامتثال النتائج وبجمال الروح ومثالية الإنسان. رحل الجمعة الماضية بعنوان شعبي عريض وتفاصيل وطنية عميقة أظهرت للملأ شخصيته وشخصه. لكنه سيظل أغنية بشرية وأهزوجة شعبية وبهجة وطنية وروحاً معمرة في الوجدان لا تبرح الذاكرة. ترك مكانه «شاغراً»، حيث قامته ولكن ملأ «اتجاهات الوطن» وعبأ «واجهات الذوق» بأفق الفرح وعمق البهجة وعبق الذكرى.