في سياق اشتغالي هذه الأيام بدراسة عن صورة المرأة عند الرحالة الغربيين احتجت إلى قراءة رحلات أجنبية إلى الجزيرة العربية منها رحلات مشهورة، وأخرى لم تنل الشهرة المطلوبة، وكانت حاجتي للمعلومات الخاصة بالمرأة تضطرني للقراءة المتأنية، الفاحصة، والدقيقة إذ إن مثل هذه المعلومات تكاد تكون نادرة أو قليلة. ولعل غيري قد اكتشف ذلك من قبل ولاحظ مدى دقة الرحالة الغربيين في التتبع وسرد المعلومات، فأغلبهم يتتبع الأوضاع في المناطق التي يمر بها تتبعاً دقيقاً، ويكون تصويرياً كأنما هو كاميرا تلتقط الصور للأحداث، فمن وصف للأرض بجبالها ووديانها وسهولها وتلالها وحيواناتها ومسالكها ودروبها، إلى وصف للإنسان أينما قابله هذا الرحالة لإعطاء معلومات فيصف مظهره وملبسه ومأكله وسلوكه وأخلاقياته. ولم يفت على بعض هؤلاء الرحالة إلى وصف مسكنه وتفاصيل حياته ونقل بعض من الحوارات التي كانت تدور في مجلس الضيافة في بيت الشعر وحتى الخيمة. وعند الوصول للمناطق الحضرية نجد المتابعة والوصف الدقيقين لشكل المدينة ولشوارعها وأزقتها، وحتى نظافتها، وطرق بناء بيوتها وما يحيط بها من مزايا أو مناطق صحراوية. كل ذلك على نحو مشوق ودافع إلى القراءة المتوالية في خط سير الرحالة صعودًا وهبوطاً في وصف يبقيك مشدوداً معه وكأنما أنت رفيق لرحلته. إن متعة قراءة أعمال الرحالة الغربيين لا يشعر بها إلا من يحتفي بها، ويقرأها متأملاً متابعاً باحثاً عن الحياة وأشكالها في فترات مضت، بعضها يعود للقرن الثامن عشر، وبعضها للقرن التاسع عشر، وقليل إلى القرن العشرين، ولعلها هي الأضعف. ومن هنا فإن كتب الرحالة الغربيين يفترض أن تكون مصدراً أساسياً للتعرف على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأبناء وسط الجزيرة على وجه الخصوص الذين قد لا نجد عنهم معلومات كثيرة في كتب التاريخ الحديث والمعاصر. وقبل أن أختم لعلي أشير إلى مقارنة بسيطة بين ما قدمه الرحالة الغربيين، والرحالة العرب والمسلمين، فإذا كان الغربيون تميزوا بدقة التصوير والوصف والدقة في الإشارة إلى أمور اجتماعية واقتصادية وبيئية، فإن أغلب الرحالة من العرب والمسلمين كانوا لا يهتمون بذلك بقدر اهتمامهم بالحديث عن المنطقة التي هي مقصده الأساسي مع معلومات قد لا تكون عميقة عن الدروب والمسالك التي ساروا بها. والأمر يحتاج إلى دراسات تفصيلية أوسع مما طرحته في هذا المقال.